صحيفة الكترونية اردنية شاملة

لماذا تفشل الأمم؟

خلال لقاء جلالة الملك رئيس وأعضاء اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، أكد جلالته أن المسار السياسي يجب أن يتزامن مع مسار آخر اقتصادي وإداري ، وقد ربط جلالته مسارات الإصلاح الثلاثة : السياسية والإقتصادية والإدارية بشكل متزامن .

وبذلك يكون جلالته قد أجاب على سؤال حول السبب الذي يجعل بعض الدول غنية ناجحة، بينما البعض الآخر دولا فقيرة وفاشلة ، الأسباب التي تجعل من دولة أو مجتمع ما ناجحين ومزدهرين، في حين تفشل الدول الأخرى التي تضم نفس الموارد والمناخ والجغرافيا . هذا السؤال طرحه إثنان من أشهر علماء الاقتصاد في العالم في جامعة هارفارد هما (دارن أسيموجلو و جيمس أ. روبنسون) في كتابهما : «لماذا تفشل الأمم؟ أصول السلطة والازدهار والفقر». وقد حدد المؤلفان أسباب فشل الأمم والدول بغياب الًاصلاحات السياسية والإقتصادية والإدارية ، وفشل المؤسسات وهيمنة رجال الأعمال على السياسة.

فيما يلي أبرز ما ورد من أفكار بهذا الكتاب ، نضعها بين يدي اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية للإستفادة منها :

1. السياسات (الحمقاء) التي تقوم بها الحكومات وراء الفشل في تحقيق التنمية والتطور .

2. أن التنمية والازدهار ليسا مسألة تصنعها الأقدار، بل هي مسألة يصنعها الأفراد من خلال المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تحكم القرارات الاقتصادية، وبالتالي فإن طبيعة المؤسسات التي يقيمها الإنسان، (وليس الموقع الجغرافي أو التاريخي أو طبيعة الأرض أو العقيدة)، هي التي تحدد ما إذا كانت دولة ما تصبح ناجحة أو فاشلة غنية أم فقيرة، وأن الدول تنجو من من شبح الفقر فقط عندما تمتلك مؤسسات فاعلة، وهذا يتطلب بناء مؤسسات سياسية واقتصادية شاملة وديمقراطية للخروج من دورة الفقر.

3. إن هناك أمما وحضارات سادت ونجحت لفترات معينة، ثم ما لبثت أن اضمحلت بسبب غياب عنصري المنافسة السياسية والاقتصادية، وبسبب ضعف تطبيق القانون وسيادته، وتلاعب النخب السياسية في بلد ما على تكييف الأنظمة والقوانين لخدمتها. وهذا أدى إلى فجوات في التنمية، لأن النخب السياسية الحاكمة غير قادرة على تجديد رؤيتها، ولا تسمح بصعود قوى سياسية أخرى .

4. في ظل غياب المؤسسات السياسية والاقتصادية التي تضمن التعددية وتوسيع أطر المشاركة، فإنه لا أمل في تحقيق النجاح على المدى الطويل وضمان الاستقرار. ويتم بناء المؤسسات الفاعلة في الدول التي لديها نظاما سياسيا تعدديا وتداولا سلميا للسلطة ، ووجود منافسة حرة ونزيهة لأجل الفوز بالسلطة السياسية، وتجدد النخب السياسية ، ولديها قاعدة مشاركة سياسية واسعة .

5. المؤسسات الإقتصادية الإستحواذية (الإحتكارية ) توجد في الدول التي لا يوجد فيها تعددية سياسية ، والتي تقوم بإحتكار الاقتصاد والثروات والموارد، من أجل إثراء نفسها وإستدامة قوتها وسلطتها على حساب الغالبية العظمى من الشعب، والمحصلة النهائية هي إفقار الشعب وتوقف عجلة التطور في هذه الدول وإنحدارها نحو الفشل . وسيأتي اليوم الذي تتفق فيه الغالبية العظمى من الشعب على إزالة النخب السياسية التي تستحوذ على المصادر المتاحة وصناعة القرار، وهو ما حصل مع الأنظمة التي سقطت بأحداث الربيع العربي .

6. فشل الدول يتخذ شكل غياب ما يكفي من النشاط الاقتصادي والمنافسة الإقتصادية ، وذلك لأن النخب السياسية الحاكمة، إضافة إلى إستحواذها على الموارد والثروات، تعيق أي نوع من النشاط الاقتصادي المستقل الذي يشكل تهديدا لهم وللنخب الاقتصادية. وفي بعض الحالات تُمهد المؤسسات الاستحواذية الطريق لفشل الدولة بالكامل وتدمير ليس فقط القانون والنظام، ولكن أيضا الحوافز الاقتصادية الأساسية، مما يسفر عن حدوث ركود اقتصادي وحروب أهلية وعدم إستقرار سياسي.

7. الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها المؤسسات الإستحواذية ما هي إلا وصفات جاهزة مفروضة من المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد الدولي)، والتي تهدف إلى خصخصة القطاع العام وبيع الأصول المملوكة للدولة وتحرير الأسواق وتقليص دور الدولة في الاقتصاد. لكن في معظم البلدان التي نفذت هذه الإصلاحات تم تحويل إحتكار الدولة لأصول القطاع العام إلى إحتكارها بواسطة رجال الأعمال و«البزنس» المرتبطين بالسياسة وبالنخب السياسية الحاكمة التي نفذت برنامج الخصخصة.

8. المساعدات الخارجية لا تمثل وسيلة فعالة للتعامل مع فشل الأمم في ظل وجود أنظمة سياسية غير ديمقراطية، وفي ظل إنتشار الفساد وغياب الشفافية، وبالتالي فإن الدعم الخارجي والمعونات من الدول المانحة والمؤسسات المالية الدولية، مع وجود المؤسسات الاستحواذية ، لن تقدم الكثير لتحقيق نمو مستدام.

9. للخروج من الفشل السياسي والاقتصادي للأمم ، يتطلب تحويل مؤسسات إحتكار السياسة ومؤسسات إحتكار الاقتصاد إلى مؤسسات ديمقراطية شاملة، إما من خلال تطوير بعض العناصر الديمقراطية الشاملة الموجودة مسبقا في هذه المؤسسات، أو عبر إعادة بناء النظام السياسي من جديد نحو نظام ديمقراطي تعددي يمتلك مؤسسات اقتصادية وسياسية ديمقراطية وفاعلة تخضع للرقابة والمحاسبة .

وفي بلدنا الأردن ولتحقيق الإصلاحات السياسية والإقتصادية والإدارية بشكل متزامن ، يتطلب أولا إجراءات جادة لفك الإرتباط غير المقدس (زواج المتعة والمصلحة) بين النخب السياسية ورجال الأعمال والتي هي السبب في تدمير السياسة والإقتصاد والإدارة ، وكذلك السبب في إنتشار الفساد المالي والإداري ، والتي كانت سببا رئيسيا في بروز مظاهر فقدان الثقة بالنظام السياسي ككل وظهور حالات السخط العام وعدم الرضى عن أداء النظام السياسي .

كما يتطلب الإصلاح الاقتصادي المطلوب مراجعة السياسات الإقتصادية المفروضة علينا من المؤسسات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين )، والتي تقوم على أساس حرية السوق المنفلتة وغير المنضبطة، ورفع الدعم عن السلع والخدمات وفرض المزيد من الضرائب على السلع والخدمات ومنع تدخل الدولة في الشأن الاقتصادي ، وعدم مراعاة البعد الإجتماعي وحاجات ومصالح المجتمع. كل ذلك لضمان سداد فوائد وأقساط ديون الدول والمؤسسات المالية الدولية والتي أرهقت البلاد والعباد .

وقد ساهمت هذه السياسات برفع نسبة البطالة لدى الشباب (50%) ، هؤلاء الشباب يعيشون بدون أمل وبلا مستقبل ويعبرون هم وعائلاتهم عن حالة السخط والغضب العام بوسائل مختلفة ويشكلون قنبلة موقوته يمكن أن تنفجر في أي لحظة .

والله من وراء القصد

التعليقات مغلقة.