صحيفة الكترونية اردنية شاملة

باحث الآثار والأكاديمي الدكتور عبد القادر الحصان : “جــــــاوا – المدينة الكنعانية الأثرية الأقدم في الأردن – بالبادية الشمالية الشرقية “

يوسف المشاقبة

 

قال الباحث وخبير الآثار الأكاديمي ورئيس جمعية أصدقاء الأثار و التراث الشعبي في محافظة المفرق الدكتور عبد القادر الحصان أن جاوا – المدينة الكنعانية الأثرية تعتبر الأقدم في الأردن بالبادبة الشمالية، منوهاً أن المدينة العريقة تقع في أعماق الحّرة الأردنية على بعد “98كم” إلى الشرق من مدينة المفرق على ارتفاع “980م” فوق مستوى سطح البحر على الحافة الجنوبية لوادي راجل العملاق الكثير المياه القادم من جبل حوران كما توجد في الموقع عين ماء تسمى عين جاوا وتبلغ كميات الأمطار السنوية فيها “150ملم” وفيها أقدم السدود في الأردن وأقدم البرك التي تغذى من عيون المياه المسماة عيون مياه براك جاوا الثلاث و هي مدينة كنعانية هامة مبكرة و مسورة و فيها اول تطور لنظام التسقيف بطريقة الشبائح الحجرية البازلتية النارية ، وسبب التسمية للمدينة ( جاوا ) فهي قديمة كنعانية – سريانية بمعنى جوا أي في الداخل ، و هي مستخدمة في العامية الدارجة جوا بمعن داخل و برا بمعنى خارج ، و هي بحق اسم على مسمى ، فهي في داحل الحرة بعيدا عن المنطقة في الداخل – جوا – جاوا ( الحصان – مقدمة الاسم و سبب التسمية ، مادة جاوا 2017م ) .
وأشار الدكتور الحصان إلى أن تاريخ البحث العلمي
بداية كان أول كشف لها عن طريق الطيران الإنجليزي بالصدفة بداية العشرينات من القرن المنصرم عندما كانت الطائرة قادمة من العراق للأردن لمسح الطريق المنوي تنفيذه لخط شركة نفط العراق القادم من كركوك إلى حيفا عبر شرق الأردن آنذاك مرورا بالمفرق، مشيراً إلى أنه كان أول من زارها وينت عام 1950م , كما قام هيلمز بأعمال المسح الميدااني الأثري منذ العام ( 1966م- 1973م ) وقد أرخاها للعصور البرونزية المبكرة , كما قامت دائرة الآثار بعمل حفريات وأعمال مسح ميداني للموقع و جواره و للنقوش العربية الشمالية و العربية الإسلامية في و ادي راجل و براك جاوا و منطقة السد في الموقع وجواره منذ العام 1991-2014م ( الحصان، موسوعة محافظة المفرق و جوارها – مخطوط قيد النشر ) .
وبين الدكتور الحصان بأنه تعود جذور الاستيطان في المنطقة المحاذية لوادي راجل من الشمال والجنوب للعصر الحجري الشبيه بالقديم وخاصة الثقافة الناطوفية منه في المناطق المرتفعة المسيطرة على غدران المياه الطبيعية وعين جاوه أيضاً ويلاحظ أيضاً تطور المنطقة في العصر الحجري الحديث في المرحلتين “أ + ب” وفي بداية العصر الحجري النحاسي تطور الموقع وأخذ شكل القرية الصغيرة التي كانت تعتمد على الزراعة وريها من البرك الطبيعية في الموقع، موضحاً بأنه تم في نهاية العصر الحجري النحاسي كانت القفزة النوعية في التطور المحلي لإنشاء المدينة ضمن مخطط مبرمج مكون من مدينة عليا وسفلى، العليا تخص العائلة المالكة ورجال الدين والسفلى تخص الصناع وطبقة المقاتلين والمزارعين وللمدينة أسوار عملاقة وعريضة وتبلغ أطوالها “2800م” بسمك خمسة أمتار مبنية من الحجارة البازلتية المحلية وللأسوار الخارجية السفلى ثماني بوابات تفتح للخارج أهمها الباب الجنوبي المطل على بركة المياه وللجزء العلوي من المدينة ست بوابات تفتح على المدينة السفلى.
ومن أهم مقومات الحياة الرئيسية في الموقع السد العملاق الواقع في مجرى الوادي – راجل والذي كان يتم جمع مياه أمطار المنطقة وأمطار جبل حوران خلفه وتحويلها عبر قنوات لخزانات المياه المتعددة والتي من أهمها الحوض المائي الإقليمي والذي يعتمد على مياه أمطار جبل حوران ومخصص للمدينة والشرق خاصة والحوض المائي الثانوي المحلي والذي يعتمد على مياه أمطار محلية تنحدر من التلال البازلتية عبر الشعاب والأودية الصغيرة وقد خصص للزراعة وشرب الحيوانات، كما يوجد كهف طبيعي لخزن المياه يبعد عن مدينة جاوا “8كم” إلى الجنوب الشرقي ويسمى بكهف المغارة لأنه تحت مستوى سطح البحر ويمنع التبخر للمياه.
وتمتاز منازل المدينة العليا بأنها بيضوية الشكل وأخرى مستطيلة الشكل وقد استخدم الطين المجفف المحروق على درجات حرارة غير عالية في بناء بعض المنازل ولون هذا الطوب أحمر والآخر أسود فاتح ويلاحظ انتشار الفخار الخاص بالعصر الحجري النحاسي والبرونزي المبكر بكثافة وكذلك المكاشط المستديرة الكبيرة والمتميزة في حضارات جاوا والرجم الأبيض والمطوق وتسمى بالمكاشط الكنعانية وكلها مصنوعة من الصوان الصلب القوي و الشفاف .
وواضح الدكتور الحصان بأنه ينتشر على السطح أيضاً كسر وشظايا العقيق الأحمر والأبيض والأشهب وبعض الخرز المصنع الذي يدل على رقي الحضارة وغناها في هذا الموقع العائد لممالك بدايات التمدن ويؤشر أيضاً على الصلات التجارية وتبادل السلع والخامات المعدنية مع مناطق واسعة من سوريا الطبيعية، كما ينتشر أيضاً الكثير من أدوات الطحن والجرش الرحوية العائدة لنفس المرحلة التاريخية، هذا وقد عثر على مخازن لحبوب القمح متفحمة في المدينة الزراعية جنوب المدينة بالقرب من عين جاوا وخربة سبيقة لوجود السهول الطينية الغرينية الغنية التي تكونت عبر آلاف السنين لجرف مياه وادي راجل تلك التربة من مناطق واسعة بعيدة ولا زالت قنوات الري والجدران الاستنادية منتشرة في جنوب وشمال شرق المدينة مع وجود الأدوات الصوانية العائدة لعصور مختلفة وخاصة الحجرية النحاسية والبرونزية المبكرة والمستخدمة في حصاد القمح والشعير آنذاك.
وفي العصر البرونزي المتوسط نلاحظ إعادة استخدام المدينة العليا بشكل جزئي ولا زالت الشبائح العوارض الحجرية التي تسقف المنازل موجودة إضافة لانتشار فخار هذا العصر أيضاً.
ومن المحتمل أن يكون الجفاف وقلة الأمطار هي السبب الرئيس في هجران الموقع إضافة للغارات الخارجية المعادية التي دمرت بمساعدة الزلازل أجزاء المدينة المسورة وسدها الرئيس و السبب المباشر الرئيس يرجحه الباحث بأن يكون انخفاض نسبة الأمطار في نهاية عصر البلايستوسين المتأخر و كذلك ابتعاد الموقع عن الطرق التجارية المرتبطة مع بلاد ما بين النهرين و شمال سوريا آنذاك بالإضافة إلى ما ذكر أنفا .
ويلاحظ إعادة استخدام الموقع في العصور اللاحقة وخاصة من قبل القبائل الرعوية البدوية أثناء تجميع المياه في البرك ويشاهد الكثير من النقوش الثمودية الصفائية و النبطية و السريانية وكذلك الكثير من النقوش العربية المبكرة على الصخور الشمالية والغربية بمحاذاة الكهوف زد على ذلك بعض المقابر الرجمية والكثير من كسر فخار تلك العصور متناثرة على السطح هنا وهناك .
واستعرض الدكتور الحصان أهم تلك المواقع موقع براك جاوا وهي امتداد للموقع من جهة الشرق على امتداد وادي راجل وفي الموقع ثلاث عيون مياه كانت نضّاخة نضبت قبل ثلاثين سنة وكانت تحول مياهها إلى ثلاث برك بجانب بعضها البعض بقياس كل واحدة منها “30×20م” وعمق ثلاثة أمتار , وكانت سبب رئيس في تطور الحضارة في العصور البرونزية والحديديّة لوجود المياه فيها , وكذلك في العصر الحديث استوطنت عشيرة الشرفات في الموقع منذ العام 1938م لوجود تلك المياه و البرك الثلاث الهامة و بجانبها مسجد اموي مستطيل الشكل ( 6م عرضا بطول 11م و محرابه باتجاه القبلة ) هذا و قد نضبت مياه بركة جاوا و منطقة السد في براك جاوا من سحب المياه الجوفية عبر الآبار الارتوازية في البادية , وعلى امتداد سد وادي راجل القريب من البراك تكثر النقوش العربية الإسلامية التي درست من قبل الباحث الحصان في المجلد الثاني للمدونة وكلها تعود للعصر الأموي المبكر والعباسي والأيوبي المملوكي والعصر الحديث كما أسلفت( مدونة النقوش العربية الإسلامية – المجلد الثاني قيد الطبع ، وزارة الثقافة – 2021م ) .
وتابع الدكتور الحصان حديثه قائلاً ” بأنه تكثر النقوش العربية الشمالية ( الصفائية ) والثمودية التي تذكر اسم القبائل العربية القديمة وتذكر الحوادث والحروب التي حدثت هنالك لأن الموقع يقع ضمن الطريق التجاري الداخلي الواصل إلى وادي السرحان عبر وادي راجل الموصل لواحة الأزرق”
وأكد الدكتور الحصان أن هذا الموقع المتكامل جاوا وجوارها من أهم وأعرق المواقع الأثريّة في بلاد الشام عامة والأردن خاصة لأنها تغوص في أعماق التاريخ وتعود للعصور الحجرية شبه القديمة والناطوفية خاصة والعصور الحجريّة الحديثة , وقد تم العثور على دلائل كبيرة في براك جاوا وفي جبل اعنازه المحاذي للموقع و الذي يحوي مقبرة مراجمية دائرية كبيرة و للشاعر الشيخ المرحوم بإذنه تعالى هايل السرور شعر منظوم بحق الموقع ووذكرياته في الصيد هنالك.

 

التعليقات مغلقة.