صحيفة الكترونية اردنية شاملة

انسحاب أمريكي من أفغانستان بطعم الهزيمة

بعد عشرين عاما من الإحتلال الأمريكي لأفغانستان قررت سحب قواتها وإستكمال ذلك بتاريخ 31/8/2021 ، وها هي الإمبراطورية العظمى في هذا العصر الولايات المتحدة وحلف الناتو يذوقان طعم كأس الهزيمة الذي ذاقه السوفيت عام 1989 ، وذاقته بريطانيا العظمى عام 1839 ، على يد الشعب الأفغاني الفقير والمحاصر الذي لا يمتلك سوى الكرامة والشجاعة والعقيدة .

فقد تسارعت الأحداث وحققت حركة طالبان إنتصارات سريعة ومثيرة ، يقابله انهيار بالسرعة نفسها لقوات الحكومة الأفغانية، المدعومة أمريكيا وغربيا ، وأصبحت الحركة على مشارف العاصمة كابول ، وتتسابق الولايات المتحدة والدول الغربية للهروب وإجلاء رعايهم ودبلوماسييهم وعملائهم الذين ساعدوا الولايات المتحدة على إحتلال بلادهم .

وقد أنفقت الولايات المتحدة تريليون دولار(ألف مليار) خلال العشرين سنة من إحتلال أفغانستان وشكلت حكومة وجيش وأجهزة أمنية للوقوف بوجه طالبان ، وحاولت فرض الثقافة والقيم الغربية على هذا الشعب القبلي والمحافظ ومحاولة تجريده من قيمه الإسلامية . وقد إنهار الجيش وأجهزة الأمن صنيعة الإحتلال بسرعة فائقة لأنه مهزوم داخليا وعقيدته العسكرية دعم إحتلال بلده . ويلاحظ الدعم الشعبي لحركة طالبان خلال تمددها وهو يعكس حالة السخط الشعبية على الحكومة الأفغانية وأجهزتها الفاسدة التي أقامتها أمريكيا .

وهناك حالة تشفي من قبل روسيا والصين وإيران والباكستان من المأزق الأمريكي في أفغانستان ، وعلى ضوء هذه التطورات من المرجح أن تتراجع مكانة وهيبة الولايات المتحدة دوليا ولدى حلفائها في العالم(تايوان ، أوكرانيا ،الفلبين ،إندونيسيا وغيرها ) الذين ستتزعزع ثقتهم بالإعتماد على دعم أمريكيا لهم .

وستستغل روسيا والصين هذه الأحداث لتوسيع نفوذهما في المنطقة في إطار صراعهما الدولي على النفوذ مع أمريكيا ، حيث أقامت علاقات مع حركة طالبان وأجريتا مناورات مشتركة في الصين على الحدود المشتركة مع أفغنستان . كما أجرت طالبان إتصالات مع إيران وتركيا وطاجيكستان وباكستان .

ويلاحظ فشل الولايات المتحدة بعد إحتلالها أفغانستان (2001) والعراق (2003) بتحقيق إنتقال ديمقراطي ناجح وفرض نظام سياسي ديمقراطي على النمط الغربي في هذين البلدين .

ومن المتوقع أن يتبع هذه التطورات تغييرات على شكل النظام الدولي القادم وتغيير موازين القوى الدولي بإتجاه نظام دولي متعدد الاقطاب بدلا من الأحادية القطبية بزعامة الولايات المتحدة . مع الإشارة الى أن هزيمة الإتحاد السوفياتي في إفغانستان كان سببا من أسباب إنهياره عام 1989 وإنتهاء شكل النظام الدولي ثنائي القطبية بزعامة الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي السابق الذي كان سائدا منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 حتى عام 1991.

وستواجه حركة طالبان تحديات كبيرة بعد سيطرتها على البلاد أبرزها : شكل النظام السياسي الإسلامي الذي تريد إقامته وعدم إقصاء العرقيات الأخرى لتجنب الحرب الأهلية ، المصالحة الوطنية وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها ، إدارة الملف الإقتصادي وتأمين الخدمات الخدمات للناس ، معالجة قضية النازحين واللاجئين ، الصراعات والتدخلات الإقليمية والدولية على أرض أفغانستان ، موضوع إحتمال تحول إفغانستان لمأوى للتنظيمات الإرهابية .

وفي الختام نتمنى الأمن والإستقرار لهذا البلد المسلم الفقير والغني بكرامته وشجاعته والذي يدفع ثمن الموقع الجيوسياسي في آسيا ، ونتمنى أن تستفيد حركة طالبان من تجربتها السابقة بالإبتعاد عن التشدد وأن تتصرف كدولة وليس حركة ثورية، وأن تهتم بأوضاعها الداخلية ورفاهية شعبها، وتلتزم بالقوانين الدولية وأن تقيم علاقات متوازنة مع كل الدول وتبتعد عن الصراعات الإقليمية والدولية ،وأن تمنع وجود أي تنظيمات إرهابية عابرة للحدود على أراضيها .

التعليقات مغلقة.