صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ضانا .. حوار الطرشان

قضية محمية ضانا مثل غيرها من القضايا التي هي نتاج فقدان الثقة في الخطاب الحكوميّ للأسف، لذلك لا سبيل لإعادة ترميم هذا الجدار سوى بالعمل الشفاف والحاكمية الرشيدة في القرارات.

اتهامات متبادلة بين الحكومة والجمعية الملكية لحماية الطبيعة حول محمية ضانا التي قررت الحكومة تعديل مساحتها واقتطاع جزء منها لغايات تعدين خامات النحاس والمنغنيز.
الحكومة تقول ان لديها دراسات أولية أجرتها سلطة المصادر الطبيعية تشير إلى وجود ما يقارب ال45 مليون طن نحاس في منطقة محددة بمحمية ضانا، وان اي استثمار للتنقيب عن النحاس يصطدم برفض الجمعية الملكية لحماية الطبيعة السماح للمستثمرين بالدخول إلى المحمية للتنقيب فيها، وهو ما دفع آخر شركة استثمارية بعدم تجديد اتفاقيتها التعدينية لعدم قدرة الحكومة على تنفيذ مذكرة التفاهم والسماح لهم بالدخول للمحمية.
الحكومة تتهم الجمعية بأنها تنصلت من اتفاقها معها، باقتطاع أرض من الجمعية واستبدالها بأرض أخرى، كإجراء تعويضي لمساحة المحمية التي تبلغ ما يقارب ال300كم مربع.
في المقابل، تتهم الجمعية الملكية لحماية الطبيعة الحكومة بالاعتداء على أراضي احدى المحميات في العالم، وان ما تقوم به من محاولات للتعدين يضر بيئياً بالمحمية من كُلّ الجوانب، وان ما تدعيه الحكومة من وجود خامات النحاس غير صحيح بدليل ان هناك شركة أجنبية قامت باستكشاف المنطقة وخرجت دون ان تعلن عن نتائج دراساتها وأعمالها التعدينية.
كما ان الجمعية تنفي موافقتها بأي شكل من الأشكال على استبدال قطعة الأرض المنوي اقتطاعها من قبل الحكومة بأرض اخرى للمحمية.
أمام هذا التراشق والاتهامات بين الحكومة والجمعية يقف المواطن والقارئ حائراً لمعرفة الحقيقة في هذه القضية مما يصعب الاصطفاف مع اي جهة لأن كلا منها يصوّب بمسدس الحقيقة وأنه هو على الصواب.
قد يكون الأمر يحتاج إلى هدوء في المعالجة والطرح، ولا يمكن ان يبقى الأمر متروكا للتراشق الإعلامي بين الجهتين وكأنهما يعيشان في دولتين مختلفتين.
خطوات الحل الصحيح تكمن في اتباع الشفافية في الطرح، وعدم تكرار التفاؤل الإعلامي فيما يخص ثروات الأردن الطبيعية كما حدث في السابق مع خامات الصخر الزيتي واليورانيوم وغيرها، فالمطلوب هو ان يتم طرح عطاء او استقطاب شركات عالمية متخصصة لاستكشاف حقيقة كميات النحاس الموجودة في منطقة أراضي محمية ضانا المنوي تعدينها، ومن ثم إعلان تفاصيل نتائج الدراسة الاستكشافية للجميع بشكل واضح، حينها سيتبين للجميع حقيقة كميات خامات النحاس في المنطقة ومدى أهمية الاستثمار وجدواه فيه، ويكون القرار الاستثماريّ وقتها مبنيا على دراسة علمية صحيحة.
في هذه الحالة ستكون دراسات الجدوى الاقتصاديّة الحكم الفيصل في حل النزاع الإعلامي بين الجهتين بدلاً من الارتكاز على دراسات أولية أجرتها كوادر سلطة المصادر الطبيعية كالتي أجرتها منذ عقود لخامات طبيعية أخرى ولم يتم التقدم بخطوة للاستثمار فيها.
اذا كانت نتائج الدراسة الاستكشافية مبشرة وخرجت بأرقام إيجابية مشابهة لأرقام الحكومة الأولية بوجود 45 مليون طن نحاس في الأراضي المحددة بالمحمية، وفي وقتها يكون قرار التعدين صحيحا والكل سيقف إلى جانبه، لانه في هذه الحالة سيكون هناك مشروع استثماري كبير لتعدين ثروات طبيعية هائلة سيكون لها الأثر الإيجابي الكبير في الاقتصاد الوطنيّ وسيحقق نقلة نوعية في المشهد الاقتصاديّ العام، فالأرقام الأولية الحكوميّة تؤكد وجود خامات النحاس بمئات المليارات من الدولارات وهو ما سيجعل التضحية بجزء من ارضي المحمية أمراً مجديا ومقنعا للجميع حتى الجمعية الملكية لحماية الطبيعية التي من المؤكد أنها هي او غيرها لن تمانع بالتعدين اذا كانت الأرقام الاستكشافية مجدية استثماريا.
نتائج الدراسات الاستكشافية التي يجب ان تجريها شركات عالمية مختصة بهذا الشأن ستكون كفيلة بجذب كبريات الشركات الاستثماريّة الدوليّة للاستثمار التعديني في هذا المجال، وبالتالي قطع الطريق على كُلّ المشككين في المشروع، والذي خرج بعضهم لربط ما يحدث فيه من وجود تدخلات إقليمية ومؤامرة دوليّة على الأردن.
بالمقابل اذا كانت نتائج الدراسة غير مشجعة كغيرها من الدراسات السابقة، فالأمر منته ولا يحتاج إلى كل هذا الحوار، وحينها سيكون الحوار أشبه بحوار الطرشان.
قضية محمية ضانا مثل غيرها من القضايا التي هي نتاج فقدان الثقة في الخطاب الحكوميّ للأسف، لذلك لا سبيل لإعادة ترميم هذا الجدار سوى بالعمل الشفاف والحاكمية الرشيدة في القرارات.

التعليقات مغلقة.