صحيفة الكترونية اردنية شاملة

اقتصادنا رعوي

الحكومة ما تزال تستحوذ على اكثر من 56 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي النسبة الأعلى عالميا بعد السويد واسرائيل حسب تصنيفات البنك الدولي، والتحدي الأكثر انتشارا هو تراجع القوة الشرائية للأسر الأردنية في السنوات الأخيرة بشكل ضاعف من تحديات الأمن المعيشي على المواطنين.

لا نستطيع ان نطلق وصف الاقتصاد الحر او الرأسمالي على الاقتصاد الأردني، فهو اقتصاد مختلط ومتشابك الأوصاف والاداء أيضا.
ففي حالات تنامي عجز الموازنة وتفاقم التحديات يتحول الخطاب الرسمي إلى خطاب اقتصادي حر بهدف إزالة الدعم الموحد في الموازنة وبالتالي تخفيف العجز المالي.
وفي حالات التحديات الأمنية والشعبوية يتحول الخطاب والإجراءات إلى خطاب رسمي اشتراكي، يهدف إلى الإسراع في التعيينات من كُل حدب وصوب وتقديم الدعم المالي المباشر وغير المباشر للمواطنين ضمن سياسات “التسكين المرن” المتبعة.
هذا الأمر ليس وليد تحديات اليوم، بل كان ناتجا عن تراكمات لعشرات السنوات التي مضت في إدارة الاقتصاد الوطني والتي أفضت إلى هذا الشكل.
فالمراحل التي مر بها الاقتصاد الوطني كانت مليئة بالمتغيرات والتحديات التي ساهمت بشكل او بآخر بتغيير نظرة المجتمع لاقتصادهم خلال العقود الماضية.
الاقتصاد الوطني قبل عمليات التصحيح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي والتي بدأت عقب انهيار الدينار سنة 1989 تغير كثيرا بعد ذلك، وتلخصت الأهداف الرئيسة في فلسفة اقتصادية سريعة وهي زيادة إيرادات الدولة المحلية، حتى يتسنى لها توفير أموال لسداد الدائنين وتنفيذ الالتزامات المالية التي وقعها الأردن مع المانحين، وهنا بدأ التفكير جديا باتجاهين هما:
الأول، يتعلق بالتخاصية التي سارعت الحكومات وقتها لتهيئة التشريعات وتعديل القوانين المنظمة لعملها، حتى تتوفر للدولة أموال تكفيها لتحقيق هدفين رئيسين، هما زيادة دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصاد من خلال الدفع بالمستثمرين بإدارة تلك الشركات من جهة، وتعزيز إيرادات الدولة من عوائد التخاصية التي تعزز احتياطات المملكة من العملات الصعبة، وتساهم بنظرة إيجابية من المانحين والمجتمع الدولي تجاه الاقتصاد الأردني من جهة أخرى.
ثانيا، هو استحداث فكرة ضريبة المبيعات والتي تطورت من ضريبة استهلاك بنسبة 7 بالمائة إلى ضريبة مبيعات وصلت نسبتها الآن 16 بالمائة، توفر للخزينة ما يقارب ملياري دينار سنويا.
بالمحصلة، فإن الضريبة وعوائد التخاصية وسيلتان تدعمان انسحاب الدولة من إدارة العملية الاقتصادية من جهة، وتزيد من اعتماد الخزينة على الايرادات الضريبية التي تعتمد أصلا في غالبيتها على ضريبة المبيعات، والتي تعتمد هي الأخرى على جيوب المواطنين.
في الحالة السابقة ونتيجة التسرع في فرض بعض السياسات الاقتصادية دون التدرج في احلالها بشكل غير منهجي لحاجة الخزينة وقتها للأموال، بدأ المواطن يشعر ان الدولة بدأت تتخلى عن رعايته التي كانت متمثلة في العديد من القطاعات مثل التعليم والصحة ودعم المحروقات والسلع الغذائية، والتي كان المواطن يحصل عليها بأثمان بخسة بعيدة عن تعرفتها الحقيقية.
في هذا الوقت الذي بدأ فيه الدعم يتراجع، لم يكن هناك تأهيل للمواطن في الانخراط بسوق العمل، وتطوير نشاطه بشكل يعزز اعتماده على نفسه، لا بل ان الحكومات تناست الأبعاد الاجتماعية لعملية التصحيح الاقتصادي، وأدركت بعد سنين وجود مؤشرات سلبية في الحياة الاجتماعية، وتحديدا سنة 1989 عندما أعلنت مع البنك الدولي عن أول برنامج لحزمة الأمان الاجتماعي بقيمة 480 مليون دولار لتدارك الاوضاع الاجتماعية التي تسببت بها برامج التصحيح.
في المحصلة كان التطور الاقتصادي الذي انصب على التصحيح المالي بالأساس نقل وبشكل سريع الاقتصاد الرعوي إلى الاقتصاد المدني الذي يتفق مع قواعد السوق الحر، لكن للأسف، صحيح ان التخاصية كانت احد أبرز مكونات السياسة الاقتصادية إلا ان النتيجة هي ان الحكومة ما تزال تستحوذ على اكثر من 56 بالمائة من الناتج المحلي الاجمالي، وهي النسبة الأعلى عالميا بعد السويد واسرائيل حسب تصنيفات البنك الدولي، والتحدي الأكثر انتشارا هو تراجع القوة الشرائية للأسر الأردنية في السنوات الأخيرة بشكل ضاعف من تحديات الأمن المعيشي على المواطنين.

التعليقات مغلقة.