صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حراك التحديث السياسي ينطلق

ينطلق ماراثون إعادة تأهيل الساحة السياسية والحزبية اليوم حتى دون انتظار صافرة الانطلاق. والصافرة المفترضة هي إقرار التشريعات الجديدة للأحزاب والانتخاب في مجلس النواب.
لقد قوبلت أعمال اللجنة بالتشكيك والهجومات اللاذعة وأحيانا بالسخرية لكن لم تلبث أن بدأت تستقطب الاهتمام ويأخذها الجميع على محمل الجدّ عندما بدأت تتضح ملامح المقترحات القانونية بصيغتها النهائية وهي تتضمن رسالة واضحة وقاطعة بالتحول نحو الحياة الحزبية. وأول أمس جرى تسليم اعمال اللجنة رسميا لجلالة الملك في احتفال رسمي بحضور رؤوساء السلطات الدستورية ومؤسسات الدولة وجميع اعضاء اللجنة الملكية وتضمنت التشريعات المقترحة للأحزاب والانتخاب وتوصيات الادارة المحلية وتمكين الشباب والنساء والتعديلات الدستورية الى جانب ديباجة تقدم للتشريعات ووثيقة سياسية شاملة عن مسيرة التنمية والتحديث والاصلاح.
القناعة واضحة اليوم اننا إزاء مشروع للتطبيق وكنت أكدت على ذلك في مقال سابق وأوضحت في آخر مقال ملامح الخطة المطروحة وحجم التحدي الذي تطرحه على الدولة والأحزاب والمجتمع وأنني بسبب هذا المخاوف طرحت من البداية خطة لتيسير المرحلة الأولى تشبه الالتفاف على الجبل بدل تسلقه. أمّا الآن وقد تمّ التوافق على الخطة التي بين ايدينا فلا مجال للتردد والتخمين والتحزير والتشكيك. كل من يريد مستقبلا افضل لشعبنا ودولتنا عليه ان يشمّر عن ذراعيه. وحديث جلالة الملك في حفل تسليم المخرجات لا يترك مجالا للشك والرسالة وصلت وقلّة قليلة بقيت (وقد تبقى) على مقاعد المتفرجين السلبيين المشككين محترفي المحاكمة المسبقة على النوايا.
تخصيص 30% من مقاعد مجلس النواب للأحزاب من المرحلة الأولى ليس بالشيء القليل وهو يطرح مباشرة وفورا على المجتمع والقوى السياسية والحزبية وكل الفاعلين في العمل العام تحديا غير مسبوق ويبدو ان الرسالة وصلت وبدأ الحراك في كل الأوساط وقرأنا امس عن تشكيل لجنة مشتركة بين حزبي الوسط الاسلامي وزمزم لبحث مشروع الاندماج. واعتقد ان حراكا سيبدأ بين الأحزاب الوسطية الى جانب حراك شخصيات وازنة من هذا الوسط ويوجد نواتين على الأقل لتأسيس احزاب جديدة وقد تكون الأحزاب الموجودة جزءا منها.
ربما تكون المشكلة اعقد في الوسط الديمقراطي التقدمي والوسط الذي غادر العقائدية القديمة نحو الواقعية والاعتدال، فتيار «يسار الوسط» هذا يحتوي العدد الأضخم في البلد من المثقفين والتكنوقراط والمسيسين واصحاب التجارب السابقة والفاعلين النقابيين والاجتماعيين اضافة الى الوسط الشبابي والنسائي الذين اتجه للعمل في مؤسسات المجتمع المدني والمبادرات الأهلية وكلهم يحسبون انفسهم على مبادىء الدولة المدنية والديمقراطية والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية لكن من أصعب الأمور ان يتغلبوا على النرجسية وأن يلتقوا في مشروع واحد وهذا سيكون تحديا يعنيني شخصيا وسوف أكرس كل وقتي واهتمامي لإنجاحه .. رغم التجارب الفاشلة السابقة وآخرها تجربة التحالف المدني، إنما يوجد لهذا التيار الآن نواه متماسكة تنظيميا وفكريا هي «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» يعوّل عليه كعامل استقطاب لتوحيد هذا التيار.
الجهة الوحيدة التي لا يشكل لها المشروع الجديد لهيكلة الساحة السياسية تحديا أو تهديدا هي بالطبع جبهة العمل الاسلامي فلديها سلفا شروط العدد لقانون الأحزاب وشروط العتبة للأصوات الانتخابية وسوف تستفيد من النظام الانتخابي الجديد. بينما على جبهة اقصى اليسار يوجد خمسة احزاب قومية ويسارية أشك انها بتاريخها ومرجعياتها قابلة أو قادرة على الانصهار في حزب أو تحقيق متطلبات القانون الجديد، لكن لا يوجد حلّ ثالث أمامها فإما الوحدة والانفتاح أو التحول الى متحف الآثار لحقبة مضت.الدستور

التعليقات مغلقة.