صحيفة الكترونية اردنية شاملة

إصلاح الضريبة.. لماذا لا يعمم؟

الإصلاح الضريبي وإن كان في بداياته الأولى ضمن مسيرة الإصلاح والتطوير المالي للدولة إلا ان النتائج الأولية أظهرت أن الإصلاح الاقتصادي ممكن ان يخطو خطوات ثابتة وبنفس النهج على باقي المؤسسات والهيئات الرسمية

لا نبالغ إن قلنا بأن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي الوحيد الذي حدث في مؤسسات الدولة، وظهرت تداعياته مباشرة وعلى أرض الواقع هو ما حدث في الضريبة منذ سريان العمل بالقانون الجديد في بداية العام 2019.
لأول مرة في تاريخ الموازنة العامة تتجاوز إيرادات الضريبة فعلياً ما هو مقدر فيها، وهذا هو لب الإنجاز الحقيقي في عملية الإصلاح المالي التي حدثت في هيكل الضريبة التي مثل غيرها من عمليات الإصلاح تعرضت لحملات تشويه لما تقوم به دائرة ضريبة الدخل خاصة من “هوامير” التهرب الضريبي، الذين اعتادوا في سنوات خلت على العمل بنظام ضريبي “قونن” عمليات التهرب الضريبي تحت مظلة ما يسمى بالتجنب الضريبي، لذلك كان الهجوم منتظما على عمليات الإصلاح الضريبي وعلى أشخاصها وكافة المسؤولين عنها تحت حجج عسكرة الضريبة والمداهمات وغيرها من المسميات التي اطلقت عليهم في إطار تبخيس ما قاموا به من فتح ملفات “عش الدبابير” الذي لم يقو احد على فتحه من قبل، حيث كانوا يواجهون بجملة: ” ما بتعرف مين أنا ” أو “ما بتعرف مين هو”.
أهم شيء حدث في الإصلاح الضريبي هو تطبيق مبدأ سيادة القانون، فلا أحد فوق القانون مهما كان شأنه في المجتمع، فالمكلفون سواسية وفق أحكام القانون، مدعوما ذلك بإدارة تنفيذية بعيدة كل البعد عن الأجندات الخاصة، واضعة نصب أعينها مصلحة الوطن والمواطن، وتحقيق العدالة الاجتماعية المفقودة منذ أعوام في التحصيل والعبء الضريبي، فعمليات الإصلاح هنا بدأت بالكبار قبل الصغار، لتكسر بذلك أي حواجز أو أوهام بـ” الحصانة المبطنة” التي كانت تحيط ببعض المكلفين الكبار.
الهجوم الذي تعرضت له الضريبة من تشويه لسمعتها والذي قاده مسؤولون سابقون في الحكومات، ورجال أعمال في مختلف القطاعات باتوا جميعا تحت مظلة الضريبة، ثبت اليوم ان ما قامت به الضريبة كان صحيحا ونهجا مبنيا على إدارة رشيدة وعلمية في تتبع المعلومات والاستقصاء عن المكلفين بطريقة أوصلتهم إلى الحقيقة المالية لأوضاع المكلفين، وهو ما دفع بعضهم لمقاومة فرق الكشف الضريبي في بعض الحالات، بغرض إخفاء المعلومات المالية والمحاسبية الإلكترونية تحديداً.
أسباب الزيادة الضريبية (25 % الزيادة الحالية مقارنة عما كانت عليه قبل العام 2019) بنيت على قاعدتين مهمتين الأولى تتعلق بتوسيع قاعدة المكلفين، خاصة في القطاعات التي ينظر الشارع إليها باعتبارها ما تزال خارج مظلة الضريبة من أطباء ومحامين وغيرهم من القطاعات التي بدأ اليوم مشروع تنظيم أعمالها وفق نظام الفوترة وغيره من الإجراءات التي ستكون جاهزة للتطبيق الفعلي مطلع العام الجديد.
الأمر الآخر كان متعلقا بمكافحة التهرب الضريبي وبناء نظام استقصائي مالي وفق احدث الأنظمة التي تتبع المعلومة المالية عن المكلفين، وهو ما جعل الكثير من المكلفين سواء كانوا أفراداً أم مؤسسات للمبادرة للتسجيل الضريبي ومعالجة الأخطاء السابقة في سبيل تنظيف الملفات وإغلاقها وبدء صفحة مالية ضريبية جديدة، وهذا ما يحدث الآن فعليا على ارض الواقع، إضافة الى ذلك تم معالجة التشوهات والاختلالات التي كان يستخدمها البعض للتجنب الضريبي من خلال الاستفادة من بعض الممارسات الدولية.
عمليات التحصيل الضريبي التي تجاوزت المقدر في الموازنة ما كانت لتصل بهذا الشكل الإيجابي لو لم تكن هناك إرادة رسمية فعلية في عمليات الإصلاح الضريبي، التي مكنت الحكومة لأول مرة بالوفاء بتعهداتها بعدم فرض أي رسوم أو ضرائب جديدة، وهذا ما حدث فعلا في السنتين الماضيتين، فالإصلاح الضريبي ولد تحصيلات مالية اكبر بكثير من أي قرارات مالية كان يمكن أن تتخذها الحكومات كما جرت العادة في السابق.
الإصلاح الضريبي وإن كان في بداياته الأولى ضمن مسيرة الإصلاح والتطوير المالي للدولة إلا ان النتائج الأولية أظهرت أن الإصلاح الاقتصادي ممكن ان يخطو خطوات ثابتة وبنفس النهج على باقي المؤسسات والهيئات الرسمية، وان تكون دائرة ضريبة الدخل نموذجا لهم في هذا الإصلاح الذي شمل السياسة الضريبية والإدارات والإجراءات وفوق كل ذلك تعزيز مبدأ سيادة القانون.

التعليقات مغلقة.