صحيفة الكترونية اردنية شاملة

محطات “سوداء” في الاقتصاد

لاشك ان هناك الكثير من المحطات السلبية التي كان لها وقع مؤلم ومتراكم على الاقتصاد الوطنيّ، لكن المحطات السابقة كانت وما تزال تلقي بظلالها على الخزينة والعجز والمديونية

وهنا أعني بالمحطات “السوداء” المفصلية في الاقتصاد الوطنيّ التي تركت تداعيات سلبية عميقة في المشهد الاقتصاديّ مانزال ندفع ثمنها إلى يومنا هذا.
هذه المفاصل وبتداعياتها السلبية هي نتاج الإدارة الحكوميّة السلبيّة في إدارة الاقتصاد والتخطيط، والدليل واضح على الفشل الرسميّ في قيادة الاقتصاد نحو الاستقرار والإنتاجية والتحفيز.
أبرز هذه المحطات كانت بما عرف بأزمة الدينار سنة 1989 والتي أدت إلى انهيار شبه كامل للاقتصاد الوطنيّ الذي لم يعد قادرا على تلبية سداد التزاماته الماليّة الخارجيّة والداخليّة على حد سواء، مما أدى إلى قيام العديد من دول العالم بالحجز على أي ممتلكات عائدة للحكومة الاردنية في الخارج، ومنذ هذه الأزمة لجأت الحكومة في ذلك الوقت إلى صندوق النقد الدولي لضمان إعادة علاقاته وتعاملاته الاقتصاديّة مع دول العالم بكفالة الصندوق، وهنا بدأ مسلسل ما يعرف ببرامج التصحيح الاقتصاديّ الذي ما يزال العمل بها إلى يومنا هذا.
أزمة 1989 هي وليدة الفشل الرسميّ في ضبط الإنفاق الحكوميّ الذي بُني على آمال وطموحات بعيدة المنال، وأحلام بحصول المملكة على مساعدات خارجيّة تغطي الإنفاق المتنامي من الحكومات في عقد الثمانينيات، إلا ان الحقيقة هو ان المساعدات لم تأت للخزينة، مما تسبب في أكبر انهيار اقتصاديّ للمملكة منذ التأسيس.
المشهد الاقتصاديّ المؤلم الآخر الذي ظهر أوائل الألفية الثانية هو سياسة ” التفريخ” الرسميّ للمؤسسات والهيئات المستقلة التي كانت في عام 2001 لا يتجاوز عددها الـ 35 مؤسسة، وتحقق وفرا ماليا للخزينة يتجاوز في بعض الأحيان الـ 126مليون دينار، ليتحوّل هذا الوفر إلى عجز يناهز الـ 600 مليون دينار، ناهيك عن ارتفاع عدد تلك الهيئات ليصل إلى 65 هيئة في بعض السنوات.
برنامج التحوّل الاقتصاديّ والاجتماعيّ خلال الفترة 2003-2005 والذي قدرت قيمته الإجمالي بحوالي 700 مليون دينار، يتم توفير غالبية مخصصاته من المنح الخارجيّة التي كانت من المفترض ان تذهب للخزينة بدلا منه، إضافة الى بعض عوائد التخاصية، يعتبر احد أبرز أشكال الاختلالات الماليّة التي تعرضت لها الخزينة.
خطورة هذا البرنامج انه أدخل للموازنة بعد ثلاث سنوات مشاريع تحتاج إلى نفقات تشغيليّة لم تكن الخزينة قادرة على استيعاب هذا الكم الكبير من تلك النفقات التي كانت تنفذ بعيدا عن مخصصات الخزينة، والتي اضطرت ان تواجه هذه الإنفاق الطارئ من خلال الاقتراض الداخليّ والخارجيّ على حد سواء.
صفقة نادي باريس والتي أنفقت الحكومة كل عوائد التخاصية المتوفرة حينها (1.65) مليار دينار لشراء جزء من ديون نادي باريس (2.3) مليار دينار بخصم شراء متواضع (11 %)، لنصطدم بعد اشهر قليلة من الصفقة بانهيار الاقتصاد العالمي خلال عام 2008، وان الخصم الذي حصلنا عليه كان متواضعا للغاية، والأخطر من ذلك ان الصفقة تمت بمعزل عن استراتيجية واضحة لمعالجة المديونية بدليل ان الدين العام بدأ من جديد يرتفع بشكل جنوني بعد شهور قليلة من إبرام الصفقة.
المشهد المؤلم الآخر الذي دفعت الأجيال وستدفع ثمن تداعياته السلبية الخطيرة على الخزينة هو ما عرف بمشروع إعادة الهيكلة لسنة 2011، الذي كان يهدف الى معالجة التشوّهات الإدارية في القطاع العام وتحفيز الإنتاجية والانتماء للموظف، لكن النتيجة كانت خطيرة على الاقتصاد الوطني عامة والقطاع العام خاصة.
فالخزينة تحمّلت كلفا ماليّة تجاوزت النصف مليار دينار بعد ان كانت كلفة الخطة التقديرية حولي 82 مليون دينار من جانب، وتهجير كل الكفاءات الإدارية من القطاع العام من جانب آخر، مما جعل الكثير من المراقبين يصفون هذه الخطة بـ “تصفية القطاع العام”.
لاشك ان هناك الكثير من المحطات السلبية التي كان لها وقع مؤلم ومتراكم على الاقتصاد الوطنيّ، لكن المحطات السابقة كانت وما تزال تلقي بظلالها على الخزينة والعجز والمديونية، والغريب في الأمر انه لم يتم مساءلة أو محاسبة من قاموا بهذه الأعمال التي ألحقت أذى اقتصادي يليه في الأمن والاستقرار الماليّ للدولة.

التعليقات مغلقة.