صحيفة الكترونية اردنية شاملة

ارتفاع الأسعار.. ما الحل؟

المبلغ المقطوع أفضل السيناريوهات السيئة التي تحيط بالاقتصاد الوطنيّ واستقراره، فكلفته قد تعادل قرارات تثبيت أسعار المحروقات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا.

كلما تقدمت المملكة خطوة في الإصلاح الماليّ تعود بعد ذلك خطوتين للوراء، والأمر يسري على باقي القطاعات.
الحكومة ومنذ بداية العام وهي تثبت أسعار المحروقات والسبب في ذلك هو عدم رفعها على المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار الذي يحدث في العالم وليس في الأردن تحديدا.
قرار التثبيت لأسعار المحروقات يكلف الخزينة أكثر من 20 مليون دينار، والتوقعات الاقتصاديّة تشير بوضوح إلى استمرار المنحنى للارتفاع على أسعار النفط العالميّة التي تقول بعض المصادر الأجنبية إن برميل النفط قد يتراوح بين 185-200 دولار في حال استمرت الحرب الأوكرانية، مما سيساهم في زيادة عجز الموازنة بما لا يقل عن 250 مليون دينار فقط في مجال المحروقات، ولكن ماذا عن باقي السلع وأسعارها التي ارتفعت أضعاف ما كانت عليه قبل عامين.
أسعار القمح ارتفعت بمقدار 32 % والشعير بحدود الـ25 %، والسكر 8 % والزيوت بمختلف أنواعها بحدود الـ25 %، وهذه الارتفاعات ما قبل حرب أوكرانيا، فمنذ أكثر من عامين، واتجاهات الأسعار للسلع بارتفاع مصحوبا بارتفاع جنوني على كلف الشحن.
ماذا باستطاعة الحكومة أن تعمل لحماية الأمن المعيشيّ للمواطنين في مواجهة الأسعار الجنونية؟
قد يكون للحكومة بعض المجال في التحرك الضريبي تجاه بعض السلع الرئيسة إن وجدت.
لكن واضح أن كل الحلول شبه مستحيلة على خزينة تعاني أصلا من عجز مالي مجمع يناهز الـ 2.356 مليار دينار، فالدعم المباشر للسلع غير مقبول من قبل الصندوق، وغير متوفر في الخزينة أصلا.
وزيادة الرواتب في ظل العجز المالي مستحيلة بالنسبة للحكومة، فقد بنيت الموازنة على فرضيات كانت زيادة الرواتب خارجها.
والتسعير قد يكون مجديا لسلعة أو سلعتين، أما سياسة التسعير الشاملة فهي لا تتمتع بأي درجات التنفيذ على أرض الواقع، خاصة وأن الارتفاعات أسبابها عالمية وخارجيّة.
في الحقيقة لا يوجد أي سيناريو يفرض حلا واقعيا مقبولا ويقلل الخسائر على طرفي المعادلة- الحكومة والمستهلك- فتداعيات أي قرار وفق السيناريوهات السابقة سيكون له ثمن سلبي باهظ على الاقتصاد الوطنيّ، وسيزيد من تفاقم العجز والمديونية، ويرحّل مشاكل ماليّة للأجيال القادمة، وسيلقي بظلال قاتمة على أي عمليات إصلاحية في الاقتصاد الوطنيّ، وسيساهم بعلاقة غير رشيدة مع المؤسسات والهيئات الاقتصاديّة العالمية والدول المانحة.
أمام هذا المشهد الاقتصادي الصعب الذي تعيشه كل الدول في العالم فيما يتعلق بارتفاع الأسعار على كافة المستويات، والذي لا قدرة لدول صغيرة مثل الأردن على مواجهة تكاليفه أو تداعياته، فإن أفضل السيناريوهات “السيئة” وأقل ضررا على الخزينة والاقتصاد وعمليات الإصلاح الاقتصادي هو تقديم مبلغ مالي مقطوع لمرة واحدة يغطي نسبيا كلف الارتفاعات الأخيرة على سلة الاستهلاك الأساسية للأسر الأردنيّة، يتم احتسابها ودراستها بشكل علمي وعملي، تغطي كلف الزيادة لمرتين أو أكثر في العام.
نعم المبلغ الماليّ المقطوع هو الأقل في تداعياته السلبية خاصة وأن الخزينة باتت تتحمل كلف الدعم بشكل أكبر مما هو مقدّر في الموازنة مثل القمح والغاز، ناهيك عن أن تثبيت أسعار المحروقات هو بحد ذاته كارثة مالية في حال استمرارها.
الحكومة في حال استمرارها بهذا التعامل مع قضية ارتفاع الأسعار سواء للمحروقات أو لباقي السلع الرئيسة، فإنها ستصل مع نهاية هذا العام إلى دعم مباشر تحملته الخزينة قد يتجاوز الـ 600 مليون دينار على أقل تقدير، مما يعني ببساطة، فشل كل عمليات الإصلاح الماليّ وضبط الإنفاق وتعزيز الاستقرار الاقتصاديّ.
كلفة المبلغ المقطوع الذي يجب أن يطال كل موظف في القطاعين العام الخاص والمتقاعدين المدنيين والعسكريين ومتقاعدي الضمان، والمسجلين في برامج الرعاية الاجتماعية وصندوق المعونة الوطنية لن تتجاوز بأعلى سقوفها الـ 150 مليون دينار لو افترضنا أن المبلغ سيكون لكل أسرة بحدود الـ 100 دينار.
المبلغ المقطوع أفضل السيناريوهات السيئة التي تحيط بالاقتصاد الوطنيّ واستقراره، فكلفته قد تعادل قرارات تثبيت أسعار المحروقات التي اتخذتها الحكومة مؤخرا.

التعليقات مغلقة.