صحيفة الكترونية اردنية شاملة

حماية الوكيل.. حماية للمستهلك

الخاسر الأكبر من وراء هذه السلوكيات والفوضى في الأسواق هو المستهلك، وإذا يتطلب من الجهات الرسمية إعادة النظر في قواعد تنظيم الأسواق، وحماية الوكلاء الذين ضخوا استثمارات كبيرة مقابل حصولهم على وكالة تلك السلع التي بات كل “من هب ودب” يستوردها أو يقلدها أو يهربها، فحماية الوكيل هي بالأساس حماية للمستهلك

لم تعد عمليات التهريب مقتصرة على الممنوعات باختلاف أشكالها وخطورتها، بل تجاوز الأمر للسلع التي يستهلكها المواطن، وتشكّل جزءا أساسيا من إنفاقه.
السوق يعج بكافة أشكال السلع المقلدة والمهربة والتي بعضها يدخل بعد أن يدفع الغرامة الجمركيّة وهي تكون مخالفة للمواصفات والمقاييس والسلامة الصحية.
بعض السلع فعلا يشكّل خطراً على صحة المواطن، ويعرضه لأمراض عديدة مثلما هو الحال في العطور ومواد التجميل والكريمات المختلفة التي كثير منها ما يدخل بالتهريب ويباع للمستهلك بأنه الصنف الأصلي، وهو خطر حقيقي على صحة المواطن وله تداعيات كبيرة عليه.
الأمر لا يقتصر عند هذا الحد بل يطال سلعا أساسية من غذائية وكيماوية وغيرها من القطاعات التي بات المهربون يتفننون في تقليدها، وتقديمها في الأسواق للمستهلك مباشرة بأسعار أقل من الأسعار الأصلية، مستغلين القوة الشرائية الضعيفة للمواطنين، وتقديم تلك السلع المزيفة لأنها بديل ناجح وأوفر ماليا، ويلبي نفس أغراض السلع الأصلية، ويروجونها على أنها بديل عن الأصل يمكن الاستغناء عنه.
مظاهر الغش باتت منتشرة على مرأى ومسمع من أعين أجهزة الرقابة الرسميّة، فعندما تذهب لمحل مواد بناء تريد شراء بعض مستلزمات البيت الأساسية كالتمديدات الكهربائية أو الصحية يسارع لك البائع بالقول تريد الأصلية أم التقليدية، فالكل موجود وبسعره.
والأمر مشابه في الانتشار غير المسبوق بقطع غيار السيارات والمركبات المختلفة، فالقطع باتت متنوعة على اختلاف مصادر تقليدها وتزويرها في كثير من الأحيان، لا بل إن البعض يروج لقطاع الغيار تلك بأنها الأنسب للسيارات.
الأمر لا يقتصر على تقليد السلع، بل باتت عمليات المزاحمة لضرب مصادر السلع الأساسية والأصلية في الأسواق، من خلال مزاحمة الوكلاء في سلعهم التي من المفترض أن تكون حصرية لهم في استيرادها، فالكل بات يستورد سيارات جديدة عداد صفر ويبيعها للمستهلك في السوق المحليّة بأقل من ثمنها في الوكالة، دون وجود كفالة للمركبة ولا ضمانة لصيانتها، أو توجيهها لمحلات صيانة تستعمل قطع الغيار المقلدة وغيرها لتعويض المستهلك.
هذا الشكل جعل السوق الأردنيّة للأسف مركزا للنفايات أو مركزا لتجارة السلع المقلدة التي تستنزف أموال المستهلكين الباحثين عن سلعة آمنة وجيدة لا سلعة مقلدة ورخيصة يكون لها تبعات ماليّة بعد شرائها.
تنامي هذه الظواهر السلبية في الأسواق المحلية سببه الرئيسي حالة الفلتان في الأسواق، وتنامي حالات التحالف الخفي بين قوى نافذة لها حضورها في مؤسسات رسميّة وأهلية، شكلت فعلا قوى ضاغطة على مختلف أجهزة الرقابة في الدولة، واستطاعت مع كل أسف اختراق الأنظمة والقوانين والتعليمات، وتمرير صفقات تلو الأخرى لدرجة أنها باتت هي الأساس والشكل الدارج في الأسواق.
لا يمكن الاستمرار بهذه المشاهد التي تستنزف جيوب المستهلكين على هذا النحو المبتور، فلا أحد يحمي المستهلك من تلك البضائع والسلع سواء أكانت مهربة أم مقلدة أم غير مكفولة، ولا يوجد مؤسسات فعلية تحميه من هذا الأمر تحت حجة أنه يحق للمواطن المفاضلة بين السلع في الأسواق بناء على قدرته الشرائية، وهذا حق يراد به باطل، فمن حق المستهلك أن يحصل على سلعة آمنة صحيا ومكفولة وضمن المواصفات والمقاييس الرسميّة وضمن أسعار مريحة، لكن ما يحدث هو تلاعب شعبوي لا أكثر، لذلك لا بد من تغليظ العقوبات فيمن يسلك هذا السلوك وعدم الاكتفاء بالغرامات التي باتت منافسا للتهريب والتقليد.
الخاسر الأكبر من وراء هذه السلوكيات والفوضى في الأسواق هو المستهلك، وإذا يتطلب من الجهات الرسمية إعادة النظر في قواعد تنظيم الأسواق، وحماية الوكلاء الذين ضخوا استثمارات كبيرة مقابل حصولهم على وكالة تلك السلع التي بات كل “من هب ودب” يستوردها أو يقلدها أو يهربها، فحماية الوكيل هي بالأساس حماية للمستهلك، وفيما يتعلق بالأسعار، فإن تنظيم السوق بشكل مهني سيجعل بدائل الأسعار للسلع متوفرة عند الوكيل بشكل أكبر مما هو عليه الآن مع ضمانة وجودة المنتج للمستهلك.

التعليقات مغلقة.