صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أسلحة روسيا الفتاكة: التضخم والقمح والوقت

ليست القصة في حرب اوكرانيا نزاعا عسكريا مسلحا. المواجهة العسكرية ما هي إلا جزء يسير من المواجهة الشاملة الاقتصادية والتضخمية والغذائية. على صعيد المواجهة المسلحة، اصبحت اوكرانيا ميدانا لاختبار اسلحة الدروع والدبابات، وكل دولة تظهر افضل ما عندها من هذه الاسلحة، وروسيا، وبالرغم من كم السلاح الكثير المقدم لأوكرانيا، ما تزال تكبد الجيش الاوكراني خسائر بشرية باهظة لا يبدو سيقوى عليها لفترة طويلة. اذ المواجهة العسكرية باتت عبثية لا طائل منها ولا يبدو انها ستكون السبب بحسم هذا النزاع الذي واضح انه سيطول.
كان الفيصل بهذا الحال حصر روسيا لوجودها العسكري في مناطق محددة من اوكرانيا بهدف ضمها، وعدم احتلال كامل البلاد او السعي لحرب كبيرة مفتوحة.
اسلحة هذا النزاع ليست عسكرية وانما التضخم والقمح والوقت. ارتفاع اسعار الطاقة رفع اسعار السلع وسبب موجة كاسحة من التضخم وليست الحرب في اوكرانيا سببه الوحيد ولكنها عمقته.
الديمقراطيات التي تتنافس فيها الاحزاب على تحقيق رفاه اكبر للمجتمعات ستكون امام مواجهات انتخابية قريبة وسوف تغير الناس وتبدل الاحزاب تبعا لأوضاعها الاقتصادية. انتخابات الكونغرس القادمة مثلا على الارجح ستأتي بأغلبية جمهورية لأسباب التضخم والاوضاع الاقتصادية.
المنطق نفسه يتحقق على الامن الغذائي حيث اضرت الحرب بإنتاج القمح، ومنع روسيا للسفن الاوكرانية من تصدير القمح فاقم الأزمة، فبتنا في ازمة غذاء عالمية تضغط على الجميع.
روسيا وكأنها تقول للعالم انظروا عندما لا تقبلون بالأمر الواقع ماذا يحدث من كوارث تمس غذاء العالم وليس فقط الغرب. واخيرا، فإن الوقت ايضا سلاح فتاك بيد روسيا لأنها تعول على قدرتها على التحمل مقابل الديمقراطيات قليلة الصبر امام التحديات الاقتصادية. روسيا تعول على الارجح ان الاحزاب الحاكمة في الغرب سوف ترضخ وتتفاوض لأنها لن تقوى على نزاع طويل الامد يمس الاقتصاد والرفاه للناس والناخبين.
كل ما سبق طرح مقبول وعلى درجة من المنطق آنيا، لكنه استراتيجيا يجافي التاريخ الذي يقول لنا ان الديمقراطيات اشرس واقوى اذا ما واجهت دولة غير ديمقراطية في حين انها مسالمة مع بعضها بعضا. هذا التعميم الاقوى عبر التاريخ الانساني والعلوم الاجتماعية، بأن الديمقراطيات لا تحارب بعضها بعضا، لكنها شرسة اذا ما امتحنت في مواجهة غير الديمقراطيات.
ما يحدث في اوكرانيا لم يعد له علاقة بأوكرانيا او انضمامها للناتو، انه مواجهة شاملة شبيهة بالحرب الباردة على نطاق اضيق، والديمقراطيات لم تشحن كافة طاقاتها بعد، ولكنها لا يمكن بحال من الاحوال ان تقبل بأقل من نصر بائن واضح يعيد معادلة الامن الاوروبي الى اتزانها.
هذا حدث ويحدث، فروسيا لم تتكبد فقط خسائر اقتصادية مؤذية كمشت اقتصادها، ولكنها وضعت نفسها في دائرة العداء للغرب واوروبا اللذين سيستمران في حرب استنزاف سياسية ومعنوية وامنية بعيدة المدى، وهذه المواجهة الشاملة تكلفتها على روسيا ستكون كبيرة وبعيدة المدى.

التعليقات مغلقة.