ملاحظات على “تحديث القطاع العام”
هناك الكثير من الملاحظات العامّة والفنية على خطّة تحديث القطاع العامّ، وهي في النهاية ليست كلاماً مقدّساً غير قابل للتعديل، فالكرة في مرمى الحكومة الّتي من واجبها تعديل وتجويد بعض بنودها بما ينسجم مع الإصلاح الماليّ والسياسيّ
من المفترض أنّ النموذج الذي اعتمد في خطّة تحديث القطاع العامّ له كلف وعوائد ماليّة، وهذا الأمر لم نسمعه من أيّ مسؤول تحدّث عن الخطّة، وهذا ما يدفع باتّجاه سؤال مشروع حول مدى ارتباط مخرجات التحديث بالإصلاح الماليّ، فإذا لم يكن هناك توفير وضبط في النفقات، فلا لزوم لمثل هذه الإجراءات.
تحديث “القطاع العامّ” خرجت بتوصية إلغاء وزارة العمل التي تعتبر من الوزارات المفصليّة في تشكيل الحكومات وتوزيع مهامّها على عدد من الوزارات، وهذه كانت مفاجأة في المخرجات، بأنّ غالبيّة المعايير الدوليّة تتمسّك بوجود وزارة العمل، وفي بعض الدول مثل الكويت وقطر على سبيل المثل تمّ دمجها مع وزارة التنمية الاجتماعيّة، أمّا أن تنتهي فهذا أمر غريب، في الوقت الذي يتطلّب من الحكومة تدخّلاً أكبر بواسطة وزارة العمل لضبط قواعد سوق العمل وتنظيمه.
الحكومة مسؤولة عن إطار تنظيم السوق ووضع قواعد حوكمة له، لمواجهة أكبر تحدّ يواجه الاقتصاد الوطنيّ وهو البطالة، في حين أنّ إلغاء وزارة العمل قد يفهم لدى البعض بأنّه خروج وانسحاب حكوميّ من تحمّل مسؤوليّة التشغيل، وترك الموضوع بملعب القطاع الخاصّ لوحده في خلق فرص العمل.
أمّا استحداث وزارة التواصل الحكوميّ، مسألة غريبة وعجيبة في ظلّ الخطاب الإعلاميّ الرسميّ بضرورة ضبط النفقات ودمج الوزارات، فهذا الاستحداث الفريد من نوعه لا ينسجم أبداً مع الخطاب الرسميّ، وغير مقنع اقتصاديّاً أو حتّى إداريّاً في ظلّ وجود وزير دولة لتنسيق متابعة الأداء الحكوميّ، إذ ان بإمكان مجلس الوزراء أن يلحق بالوزير ما شاء من الملفّات الّتي يرغب بها دون لحاجة لتأسيس وزارة جديدة لها كلف إضافيّة على الخزينة.
وترؤس وزير الصناعة والتجارة لمجلس إدارة الضمان الاجتماعيّ بدلاً من وزير العمل، أيضاً مسألة تحتاج إلى وقفة مراجعة وتقييم لمثل هذا التوجّه، علماً أنّه يجب أن يكون هناك تعزيز أكثر استقلاليّة للضمان الاجتماعيّ الّذي هو أصلاً معنيّ بالعمل وأصحاب العمل، وبالتالي تحويل ملفّ الضمان لوزارة الصناعة يخالف الأساس لوجود الضمان.
وأيضا لم تتضمّن خطّة تحديث القطاع العامّ أيّ إجراءات أو مقترحات لتحسين وتبسيط الإجراءات، علماً أنّ هذه هي إحدى أكبر التحدّيات الّتي تعصف بالقطاع العامّ، ويتطلّع المواطنون وأصحاب العمل والقطاع الخاصّ إلى التدخّل الرسميّ الإيجابيّ في إنهاء التعقيدات الّتي تؤثّر سلباً على بيئة الأعمال.
الحكومة تصرّ دوماً على عدم المساس بالموظّفين في حالات الدمج، وشخصيّاً أتفهّم الدوافع الاجتماعيّة والشعبويّة لمثل هذا التوجّه، لكن في المحصّلة عمليّة نقل الموظّفين من مكان لآخر تحت المظلّة الرسميّة كيف ستساهم في زيادة الإنتاج والفعاليّة الوظيفيّة، وفوق كلّ ذلك كيف للحكومة في ظلّ هذا المشهد الإداريّ الصعب استقطاب الكفاءات وأصحاب الخبرات لتعزيز عمل القطاع العامّ مع وجود ضوابط رسميّة ورثتها الحكومات من خطّة إصلاح القطاع العامّ الّتي أطلقت سنة 2011، والّتي مازال انعكاساتها الماليّة الخطيرة على الخزينة لغاية يومنا هذا، بكلف ناهزت النصف مليار دينار، بعد أن كانت تقديراتها بقيمة 82 مليون دينار.
هناك الكثير من الملاحظات العامّة والفنية على خطّة تحديث القطاع العامّ، وهي في النهاية ليست كلاماً مقدّساً غير قابل للتعديل، فالكرة في مرمى الحكومة الّتي من واجبها تعديل وتجويد بعض بنودها بما ينسجم مع الإصلاح الماليّ والسياسيّ، وأن لا تسمح الحكومة بأن تكون هذه الخطّة مظلّة لتصفية تدريجيّة للقطاع العام، فالفشل في الأداء ليس مبرّراً للدمج الوزاريّ أو المؤسّسيّ، بقدر ما هو ضروريّ في المعالجة الجذريّة لأسباب التراجع الإداريّ خاصّة في التعاملات اليوميّة.
التعليقات مغلقة.