انخفاض الأسعار… فرصة ولاحت
الحكومة يجب أن تتحرك في كافة الاتجاهات بشكل سريع ومدروس وضمن منهجية واضحة، لضمان توفير مخزون آمن وبسقوف سعرية معتدلة حتى لا تنقطع أي سلعة من السوق المحلية أو ترتفع إلى مستويات غير مقبولة.
حافظت أسعار السلع في الأردن على مستوياتها المتباطئة في الارتفاع، ولم تعكس حقيقة أسعارها العالمية، بدليل أن معدلات التضخم في المملكة ما تزال تتراوح عند مستويات مقبولة نسبياً (3 % -5 %) خلال النصف الأول من العام، مقارنة مع حقيقة الارتفاعات في الأسواق العالمية.
أسباب هذا التباطؤ في انعكاس الأسعار العالمية على المحلية بشكل كامل يعود إلى الرقابة الصارمة والتدخل الفاعل من وزارة الصناعة والتجارة في الأسواق والتسعير في بعض الأحيان، إضافة إلى وجود مساحة كبيرة من الضغط الشعبي على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي شكلت حالة من الضغط على الحكومة لمواصلة التدخل في ضبط الأسعار، وأخيراً هو أن كثيراً من التجار والصناعيين وموردي السلع للأسواق المحلية تحملوا كلفاً عالية، وأَمنوا الأسواق بكامل احتياجاتها على حساب هوامش أرباحهم.
اليوم التطورات في مشهد الأسعار انقلبت رأساً على عقب، ومن المستحيل أن تكون هناك رؤية واضحة في التحليل لما هو قادم من الأسعار ومستوياتها، فبعد أن ارتفعت وتيرة التحذيرات خلال الشهور الأخيرة الماضية من ارتفاعات الأسعار عالمياً، خصوصاً الإنتاج الغذائي الأساسي كالقمح والشعير والمواد الاستهلاكية الرئيسية، ها هي الأسعار تتجه في منحى هبوط منذ أسابيع وبشكل متسارع، ولكنه غير واضح المعالم على بعض السلع خاصة النفط على سبيل المثال.
وكما قلنا سابقاً إن الحكومة ساهمت بشكل مباشر بعدم عكس هذه الارتفاعات على المواطنين بشكل ملحوظ نتيجة الدعم الذي واصلت تقديمه، في موازاة إن المستوردين والصناعيين تحملوا جزءاً من هذه الارتفاعات دون عكسها مباشرة على سلة الاستهلاك دفعة واحدة.
بالمقابل، فإن الأسواق العالمية لشهر حزيران، وبحسب مؤشر أسعار منظمة الأغذية والزراعة، شهدت انخفاضاً لأسعار الأغذية بنسبة 2 % مقارنة بشهر أيار، وانخفاضا في أسعار الحبوب بحوالي 4 %، وانخفاضا في أسعار الزيوت النباتية بحوالي 7 %، وانخفاض مؤشر أسعار السكر 3 %.
الأسعار شهدت حالة من التذبذب منذ بداية العام بين ارتفاع وانخفاض، إلا أنها استقرت على الارتفاع، إذا ما تم مقارنتها بالعام الماضي، وذلك نتيجة ارتفاع أحجام التضخم في العالم بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وتأثيرها في حجم الإنتاج العالمي من الحبوب والزيوت، في حين أن موجة هذه الارتفاعات العالمية لا تستطيع الدول مهما كان حجمها مقاومتها أو التصدي لها من خلال ما يسمى بآليات السوق من عرض وطلب، خاصة وأن الدول التي تعتمد في احتياجاتها على الاستيراد، كالأردن على سبيل المثال لا الحصر، يصل حجم مستورداتها لأكثر من 85 % من مجمل احتياجاته الكلية من السلع السابقة.
هذه الانخفاضات تتطلب استغلال الفرصة سريعاً، عبر إبرام صفقات تجارية لشراء متطلبات الأسواق، وذلك لتخفيف الضغط على الخزينة العامة للدولة من قيمة الدعم الذي تقدمه الحكومة، بالإضافة لتخفيف الضغط على التجار والمستوردين، مما سينعكس على المواطن بانخفاض الأسعار بشكل يلمسه خلال الفترة المقبلة.
الحكومة يجب أن تتحرك في كافة الاتجاهات بشكل سريع ومدروس وضمن منهجية واضحة، لضمان توفير مخزون آمن وبسقوف سعرية معتدلة حتى لا تنقطع أي سلعة من السوق المحلية أو ترتفع إلى مستويات غير مقبولة.
أيضاً الحكومة مطالبة بتأمين سلاسل توريد آمنة للسلع، بحيث تبقى عجلة التوريد مستمرة دون انقطاع، الأمر الذي يفرض المراقبة الحثيثة لمتغيرات الأسواق التي تحدث في العالم. على الحكومة توحيد الجهود والإسراع في استغلال فرصة الانخفاض الحاصل في أسعار المواد الأساسية عالمية، حتى لا تضطر لزيادة حجم الدعم وبالتالي ارتفاع الإنفاق وزيادة الضغط على الخزينة التي تعاني من عجز مزمن قد يتفاقم إذا ما أحسنت الحكومة التصرف والإجراء، والأيام المقبلة كفيلة بإظهار نتائج الإجراءات الحكومية.
التعليقات مغلقة.