توحيد إيرادات الخزينة
نموذج الإصلاح الضريبي يجب أن يعمم على باقي المؤسسات المالية في الدولة، وتوحيد مرجعية الإيرادات تحت مظلة واحدة خيار استراتيجي إصلاحي للحكومة يجب أن يبقى على رأس أولوياتها في الإصلاح الاقتصادي.
الأسباب التي دفعت الحكومة في سنة 2010 لتوحيد دائرتي ضريبة الدخل والمبيعات في دائرة واحدة، هي ذات الأسباب التي تجعل الحكومة تفكر فعلياً بتوسيع هذه القاعدة وتعميمها على عدد من المؤسسات والدوائر المالية التي تتبع مباشرة للخزينة، والتي تصب في النهاية في زيادة تحصيلات إيرادات الدولة.
نعم، مرجعية واحدة لإيرادات دولة شكل من أشكال الإصلاح المالي، وهنا أقصد بكل صراحة توحيد الضريبة مع الجمارك مع الأراضي ومع كل دائرة رسمية معنية بتحصيل إيرادات مباشرة وغير مباشرة للخزينة، وهذا الأمر ليس غريباً، أو إنه استحداث في عمليات الدمج، بل هو معمول فيه في غالبية دول العالم، فالضريبة والجمارك وغيرها من مؤسسات الجباية المالية كلها تحت مظلة رسمية واحدة وهي مديرية أو مؤسسة الإيرادات العامة، والاسم لا يعنينا بقدر ما يعنينا توحيد جهود الدولة في عملية إصلاحية هدفها تعزيز القدرة المالية للخزينة وتعميم مفاهيم الشفافية والإصلاح.
لماذا الدمج؛ وفي هذا الوقت تحديداً؟
سؤال منطقي، فدائماً ما يتوارد في أذهان المواطنين والمراقبين معاً عند سماعهم بأخبار زيادة التحصيلات الضريبية للخزينة بالسؤال المشروع، أين تذهب هذه الأموال ولماذا لا تنعكس على الأداء المالي للدولة في مختلف قطاعاتها؟
نعم هناك زيادة في التحصيلات الضريبية، وهو نتاج لعملية الإصلاح الضريبي الشامل التي ابتدأ تنفيذها مطلع عام 2019، وهو ما أدى في التحصيلات الضريبية للزيادة التدريجية والنوعية للخزينة، وهو أمر طبيعي ومنطقي مع الجهود المبذولة لتوسعة قاعدة الشمول الضريبي بإدخال قطاعات لم تكن تحت المظلة الضريبية من جهة، ومكافحة التهرب الضريبي وضرب بؤر التهرب، وسد كل الثغرات القانونية التي تسمح حتى بما يسمى بالتجنب الضريبي من جهة أخرى.
لكن للأسف أقولها وبكل صراحة، إن غالبية الإصلاح في الهيكل الضريبي، ورغم نجاحاته لم تظهر آثارها على المستوى الكلي للاقتصاد، وكأن الضريبة لم تزد في تحصيلاتها وإيراداتها، والسبب في ذلك يعود لجملة منطقية من الأسباب، أهمها: أن الإصلاح المالي في الدولة كان مجزوءا ولم يكن شمولياً.
أي أن الإصلاح المالي كان محصوراً هذه المرة على مؤسسة وحيدة وهي دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، والتي أثبتت إدارتها أن عمليات الإصلاح في الأردن ليست مستحيلة، بالعكس هناك دافع قوي أيضاً بعد الجهود المضنية في إعادة هيكلة الضريبة على كافة مستوياتها، الأمر الذي جعلها أنموذجاً في الإصلاح المالي ليس في الأردن فقط، وإنما اختيرت كنموذج إصلاحي نوعي من قبل مؤسسات عالمية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي.
لكن مع كل هذا، فإن عائدات الزيادة في التحصيل الضريبي لم تنعكس على مفاهيم ومرتكزات التنمية الشاملة، وبقيت المؤشرات على حالها حتى في معدلات النمو الاقتصادي تقريباً.
فمؤسسات الدولة المالية المختلفة بقيت على حالها دون تغيير يذكر أو حتى إصلاح نسبي، واستمر الإخفاق تلو الإخفاق في إصلاح بعض المؤسسات والهيئات، لا بل كانت هناك مقاومة من داخلهما في بعض الأحيان، الأمر الذي جعل إعادة هيكلة تلك المؤسسات صعباً على الحكومة، وبالتالي تأخر الإصلاح فيهما، وبقت ضريبة الدخل تغني وحيدة في سرب الإصلاح المالي، وبالتالي أصبح النمو المالي في التحصيل الضريبي موجها لسد نفقات رسمية غالبيتها لتوطين عمليات التعثر في إصلاح تلك المؤسسات، والتي بقيت عبئاً على الخزينة.
نموذج الإصلاح الضريبي يجب أن يعمم على باقي المؤسسات المالية في الدولة، وتوحيد مرجعية الإيرادات تحت مظلة واحدة خيار استراتيجي إصلاحي للحكومة يجب أن يبقى على رأس أولوياتها في الإصلاح الاقتصادي.
التعليقات مغلقة.