صحيفة الكترونية اردنية شاملة

قضية المتقاعدين في قطر وشركات الأمن .. هل نتعلم الدرس؟ بقلم بكر الأمير

 

بكر الأمير
مع الأسف الشديد، نحن دائما نغمض أعيننا عن الاختلالات والتحديات التي يعاني منها سوق العمل، وما يشهده من تراجع في معايير العمل اللائق، وغياب ضمانات الحماية القانونية اللازمة للعمال، وسط تغول الشركات، وتحديدا تلك التي تعمل في مجال تقديم الخدمات، ومنها شركات الأمن والحماية، والتي يشكل المتقاعدون العسكريون فيها الأسود الأعظم من العاملين.

قضية المتقاعدين العسكريين الذين ذهبوا إلى قطر من أجل تقديم خدمات الأمن والحماية ضمن ترتيبات بطولة كأس العالم لكرة القدم، وفق اتفاق مع شركة خاصة، قضية تفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات بشأن هذه الشركات التي تعمل في مجال الأمن والحماية، وآلية الرقابة عليها، ومدى التزامها بالقوانين والتشريعات، ومدى حفاظها على حقوق العاملين لديها، وضمان ما نص عليه القانون من ساعات العمل، والإجازات، وصرف بدل العمل الإضافي، والضمان الاجتماعي ..وغيرها.

قبل أكثر من شهر، نشرت وكالة الأنباء الأردنية بترا، تقريرا بعنوان “شركات تتغول على عمال الأمن والحماية وتتلاعب بحقوقهم”، للزميل عبدالقادر الفاعوري، وحظي التقرير، وقتها، بمتابعة من قبل وسائل الإعلام والبرامج الحوارية، ولكنه لم يحظى بذات الاهتمام لدى الجهات المعنية، سواء من تمنح الترخيص لهذه الشركات، أو التي من واجبها الرقابة والتفتيش على مدى التزامها بالقانون، والوفاء بالتزاماتها تجاه من يعملون لديها، بهدف التأكد من عدم التجاوز على الحقوق العمالية، والدليل على عدم الاهتمام ما حصل في قطر.

تشير المعلومات الواردة في التقرير إلى، أن هذه الشركات في نمو مستمر، وليس ثمة مظلة قانونية تمثلها (نقابة، جمعية)، كما أن التجاوزات على حقوق العمال منتشرة فيها وعلى نطاق واسع، بحسب رئيس النقابة التي تمثل العاملين في القطاع (الخدمات العامة والمهن الحرة) خالد أبو مرجوب، الذي قال ـ بحسب التقريرـ إن شركات الأمن والحماية هي من يتحكم بالعقود الموقعة مع المنشآت التي تقدم خدماتها لهم، حيث يتم التوقيع على قيمة الأجر الذي يدفع للعامل، في حين يتم دفع أجر أقل من المتفق عليه بين الطرفين، واصفا ذلك بـ “التغول على حقوق العمال والتلاعب بأجورهم على حساب زيادة إيرادات الشركات”.

استطاعت الدبلوماسية الأردنية من خلال السفارة الأردنية في قطر، التعامل مع قضية المتقاعدين العسكريين، والمقدر عددهم بـ 6 آلاف متقاعد، والخروج بحل سريع لاخماد فتيل أزمة، كادت أن تتصاعد، ومنحت السلطات القطرية، مشكورة، مبلغ 1500 دولار، إلى جانب صرف تذاكر سفر لهم، وهذا يضاف إلى المبلغ الذي كانوا استلموه من الشركة الخاصة وفق تعاقدهم معها، ويبقى الحق قائما لرفع دعاوى قضائية والسير باجراءات قانونية لتحصيل كافة الحقوق، إذا ثبت ذلك.

ما يمهنا بعد هذه الواقعة؛ التفكير جديا بشريحة واسعة من العاملين في قطاع الأمن والحماية ما زالت تنتظر بيئة عمل آمنة ولائقة، وبحاحة إلى ضمانات قانونية لعدم التجاوز على الحقوق المكفولة، في ظل استمرار شركات تعمل في القطاع، أمعنت في التحايل والتلاعب على المتقاعدين العاملين وانتهاك حقوقهم بأساليب متعددة، وسط ضعف الرقابة والتفتيش من الجهات الرسمية.

يقال: لا يتعلم المرء حتى يتألم. بين أيدينا درس بليغ، كاد أن يتطور إلى أزمة مع دولة شقيقة، ـ لا قدر الله ـ سيما بعد الاحتجاجات الحاشدة التي نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي، والتي ـ ربماـ هي الأولى من نوعها، وغير المسبوقة على صعيد العمالة الأردنية في دول الخليج. وما نرجوه أن لا تأخذ صورة سلبية عن الأردنيين، من شأنها التأثير على فتح المجال أمام العمالة الأردنية في سوق الخليج، فالأردنيون مشهود لهم بالكفاءة والمهنية. ويكفي أن اذكركم بمنصة الوظائف القطرية التي أعلنت عنها وزارة العمل نهاية شهر آذار الماضي، والتي جاءت استجابة لمبادرة أمير دولة قطر لتشغيل 20 ألف أردني في القطاع الخاص القطري، وفق ما ذكره السفير القطري عند إطلاق المبادرة التي تستمر لمدة 3 سنوات.

أختم بما عبّر عنه أحد المتقاعدين في قطر بقوله: ” ضحكوا علينا .. أعطونا من الجمل إذنه، وسمسروا على ظهورنا” .. هكذا يكون الجواب عندما تكون شروط العمل جائرة وغير منصفة، وعندما يتعرض العامل إلى الغبن والتحايل، وعندما، أيضا، يترك الحبل على الغارب لشركات الخدمات تتغول على حقوق العمال، و”تضحك” عليهم، وما أكثرها في قطاعات عدة كالأمن والحماية، والنظافة وتقديم الطعام، التحميل والتنزيل وغيرها. هل نحن بحاحة إلى دروس أكثر؟ هل نتعلم من قضية المتقاعدين في قطر؟

التعليقات مغلقة.