صحيفة الكترونية اردنية شاملة

المركزي أمام تحد جديد للاستقرار النقدي

هذه الأوقات الصعبة تتطلب الكثير من الأمل والتفاؤل لتجاوز الصعاب والتحديات، وليبقى البنك المركزي الأردني شامخاً في التصدي لها، والأيام القادمة ستكون شاهدة على ذلك.

البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع أمس أسعار الفائدة للمرة السادسة منذ شهر آذار من العام الحالي بمقدار 75 نقطة أساس، ولتكون الرابعة على التوالي التي يرفع بها سعر الفائدة بهذا المقدار، بعد أن قام البنك المركزي الأوروبي برفع مماثل لأسعار الفائدة خلال الأسبوع الماضي.
بعض التحليلات الاقتصادية بدأت تظهر إلى العلن ممهدة الطريق نحو استمرار تبني الفيدرالي موقفاً متشدداً بخصوص سياسته النقدية، وتوقع وصول أسعار الفائدة لديه إلى 5 % بحلول آذار 2023، هذا الأمر يشابه صدمة فولكر في مكافحة التضخم الحاد الذي ضرب الولايات المتحدة الأميركية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، حيث قام رئيس الاحتياطي آنذاك (بول فولكر) بتطبيق سياسة نقدية تشددية عنيفة رفع فيها أسعار الفائدة من 10 % إلى ما يقارب الـ20 % عام 1980، ولم يكترث للاقتصاد الذي أصبح نموه سالباً، لا بل يسجل له النجاح في مكافحة التضخم خلال تلك الفترة.
محلياً لا شيء جديدا يضاف، فالعيون تتجه صوب بيت الخبرة الاقتصادية والمصرفية، البنك المركزي الأردني، والقرارات التي ستصدر عن لجنة السوق المفتوحة في البنك حول أسعار الفائدة في السوق النقدي. وبحسب التقرير الصادر مؤخراً عن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، من المتوقع استمرار المركزي الأردني، وفقاً لتطورات أسعار الفائدة في أسواق المال العالمية والإقليمية، برفع سعر الفائدة الرئيس للبنك من 5.25 % حالياً إلى 6.5 % بحلول نهاية عام 2022، والاستقرار عند هذا المستوى في عام 2023.
بات لا يخفى على أحد أن قرارات البنك المركزي الأردني المتعلقة بالسياسة النقدية وأسعار الفائدة هدفها، أولاً وآخراً، المحافظة على الاستقرار النقدي في المملكة، الذي يمثل المتطلب الأساس لتحقيق النمو الاقتصادي، وتوفير البيئة الاستثمارية الآمنة والجاذبة للاستثمارات المحلية والأجنبية. فلا نمو اقتصاديا دون وجود استقرار نقدي بعنصرية: ثبات سعر صرف الدينار مقابل الدولار من خلال وجود هامش ملائم بين الدينار والعملات الأخرى. والثاني، استقرار معدلات التضخم عند مستويات مقبولة في الأجلين المتوسط والطويل.
البنك المركزي يمتلك من الاحتياطيات الأجنبية رصيداً أكثر من كاف للحفاظ على استقرار سعر الصرف، وحالياً يغطي هذا الرصيد ما يزيد على 8 أشهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات.
في الجانب المقابل، تشير أحدث البيانات التي أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة، مؤخراً، إلى ارتفاع معدل التضخم السنوي ليبلغ 4.0 % حتى نهاية شهر أيلول من العام الحالي، مقابل 1.2 % خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
للوهلة الأولى قد تبدو قرارات المركزي برفع أسعار الفائدة خلال العام الحالي في غير صالح الاقتصاد، إلا أن الأداء القوي للاقتصاد الوطني يظهر العكس من ذلك، وأبرز ما يؤكده النمو الاقتصادي الذي تحقق خلال النصف الأول من العام الحالي بشكل يفوق التوقعات.
إن قرارات البنك المركزي مدروسة بدقة وعناية فائقة، وتراعي كافة الأبعاد الاقتصادية والنقدية والمالية على مختلف الأصعدة، المحلية والإقليمية والدولية. وفي كل محطة من هذه المحطات تتجسد قصة نجاح جديدة تضاف إلى نجاحات البنك المركزي، الذي يلتزم بالمضي قدماً في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي في المملكة، مع وعيه الكامل بأن التشدد الحالي قد يتسبب في بعض الأوجاع الاقتصادية المؤقتة، ولكن بالمقابل فإن أي اختلال، ولو على نطاق ضيق، في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي سيترتب عليه أوجاعاً أكثر بكثير على الاقتصاد الوطني.
ثقتنا بالبنك المركزي وقراراته راسخة لا تتزحزح، فالبنك لديه الخبرة والمرونة الكافية التي تمكنه من التعامل بحكمة وسرعة مع التغيرات الاقتصادية والمالية التي تعتري الاقتصاد العالمي في الوقت الراهن، وما يبعث الطمأنينة في النفس أيضاً امتلاكه الكفاءات القادرة على توليد الأفكار غير التقليدية بما يتلاءم والمواقف المختلفة والطارئة التي يواجهها.
هذه الأوقات الصعبة تتطلب الكثير من الأمل والتفاؤل لتجاوز الصعاب والتحديات، وليبقى البنك المركزي الأردني شامخاً في التصدي لها، والأيام القادمة ستكون شاهدة على ذلك.

التعليقات مغلقة.