صحيفة الكترونية اردنية شاملة

بوتين عندما ينحو ليكون بريجينيف وخروشوف

علقت روسيا مشاركتها بمعاهدة ستارت الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. المعاهدة امتداد لمعاهدات أخرى بدأت منذ الثمانينيات، آخرها كان ما وقعه بوتين وأوباما ضمن اتفاق لخفض الأسلحة النووية الاستراتيجية بين البلدين، وإعطاء كل منهما الحق بالتحقق المتبادل بخفض أعداد الرؤوس النووية والصواريخ القادرة على حملها.

عالم الحروب والأسلحة تطور كثيرا، وأصبح التطور التقني والتكنولوجي والطائرات المسيرة والحروب السيبرانية لا تقل فتكا عن خطر الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، لكن هذه الأخيرة ما تزال، بلا شك، خطرا تدميريا كبيرا وهائلا من أهم مهددات الأمن والسلم الدوليين.

الانسحاب من المعاهدة معناه اتجاه روسيا لاستخدام قوتها العسكرية النووية لتقول للعالم إنه لا بد له أن يقدم تنازلات عسكرية واقتصادية لروسيا لأنها دولة نووية، ومعناه أن تفكير القيادة الروسية يذهب باتجاه عقلية الحرب الباردة واستحضارها، وكذلك معناه عدم الوعي الكامل بأسباب انتهاء الحرب الباردة.

إنه تفكير بريجينيف وخروشوف بشكل وصور أخرى. الحرب الباردة انتهت بسبب عدم قدرة الاتحاد السوفييتي على مواكبة سباق التسلح مع الولايات المتحدة لا ماليا ولا اقتصاديا ولا تقنيا، فكانت النتيجة أن اختار الاتحاد السوفييتي أن ينهي ذاته ويوقف سباق التسلح. ضمن هذا المنطق، فإن المعاهدة مصلحة لروسيا أكثر منها مصلحة للعالم، ويعني إنهاؤها عدم فهم القرار الروسي للسياق الذي أنتج معاهدات خفض الأسلحة الاستراتيجية. روسيا بهذا القرار تقول للعالم إننا مستعدون للعودة لسباق التسلح الاستراتيجي، علما أنها لا تقوى على ذلك لا اقتصاديا ولا تقنيا، وهذا سباق محموم بالمخاطر على روسيا قبل غيرها. تفكير خطير وغريب وغير محسوب، لا سيما إذا ما علمنا أن بوتين عاش وكان من ضمن المنخرطين بأجواء انتهاء الاتحاد السوفييتي.

إنهاء المعاهدة يدفعنا للاستنتاج أن روسيا لا تريد أي قيود على ترسانتها النووية، ومستعدة لبناء المزيد منها وتريد ذلك، وهذه لا واقعية استراتيجية. وبالمقابل، سيجعل معادلات الردع التاريخية تعود للعمل؛ من نشر لصورايخ مضادة للصواريخ الباليستية في أوروبا، وتهيئة الغواصات النووية للعمل حتى في حال انقطاع الاتصالات، والعودة لنظام حرب النجوم الذي كان سيحيد أي صواريخ باليستية سوفييتية بعيدة المدى. كل هذا خطير ومؤذ لروسيا قبل غيرها ولن تقوى عليه.

بوتين، بهذا القرار، يقول للعالم إن أوراقي نفدت، ولكن لن أهزم بهذه الحرب، حتى لو عنى ذلك استحضار ما تسنى لي من أدوات الحرب الباردة. إنه دب جريح يعلم أنه يخسر ولا يريد الاعتراف بذلك، ويمضي بالتحدي الى آخر مدى. سيخسر بوتين رهانه، ولو وظف قليلا من العقلانية السياسية لما ذهب الى ما ذهب إليه، ولبدأ بالتفكير بالخروج من هذا النفق الذي دخله، بما يحفظ هيبة بلده، لكن مع إدراك لقدراتها على الاستمرار بخوض غمار هذا التحدي. لن ينتصر بوتين في حرب أوكرانيا لأنه يمتلك أسلحة نووية، والأكيد أنه لن يقوى على استخدامها، وإذا ما جن، كما يحاول أن يوحي، وفعلها، فأدوات الردع حاضرة لدى العالم، وستكون أذية ذلك عليه وعلى بلده أكثر من أي جهة أخرى.

التعليقات مغلقة.