صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الاستثمار وجدلية الإعلام

بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات بأمسّ الحاجة إلى إعلام دولة مسؤول ونزيه، فذلك الإعلام هو الشريك الحقيقيّ في عمليّة التنمية المستدامة لا الإعلام المرعوب ذو الأجندات الخاصّة.

لا يمكن لأيّ تطوّر اقتصاديّ أن يبرز دون أن يكون هنالك إعلام رديف للعمليّة التنمويّة والاستثماريّة بشكل متلاصق، فالاقتصاد في النهاية هو انطباع لما عليه المجتمع تجاه الخطط وسلوكيّات الحكومات.
الإعلام لعب دوراً بارزاً في تعزيز العمليّة التنمويّة، فبعد توسّع الخطاب الاقتصاديّ الرسميّ في النصف الثاني من التسعينيّات خطا الإعلام عامّة والصحافة الاقتصاديّة خاصّة خطوات كبيرة مع الدولة وأجهزتها في الترويج الاستثماريّ للمملكة، وشرح الميزات التنافسيّة للاقتصاد الوطنيّ.
الانفتاح الاقتصاديّ قابله انفتاح آخر في الإعلام، فلا بيئة أعمال جاذبة من دون وجود إعلام حرّ ونزيه ومسؤول، خاصّة في ظلّ ضعف الحياة السياسيّة من أحزاب ونقابات ومؤسّسات مجتمع مدنيّ ودور هامشيّ لمجلس النوّاب، يظلّ الإعلام الركيزة الأساسيّة المتحضّرة والمتبقّية في معادلة رسم السياسات.
الكلّ يتذكّر كيف احتضنت الصحافة المحلّيّة مطالبات الملياردير المصريّ نجيب ساويرس عندما رفع قضيّة على هيئة تنظيم قطاع الاتّصالات قبل عشر سنوات تقريباً وكسبها ممّا جعلت الرجل يتغنّى بالأردنّ ومؤسّساته وقضائه وإعلامه في المحافل الدوليّة بعد تلك القضيّة.
حتّى الاتّفاقيّات الدوليّة الّتي وقّعها الأردنّ للانخراط بالاقتصاد العالميّ والّتي ثبت فيما بعد أن بعضها أعدّ على عجل مثل اتّفاقيّة الشراكة المتوسّطيّة الّتي أبخست حقوق الصناعة الأردنيّة وساهمت في تراجع صادراتها إلى أوروبا، تبنّت الصحافة مطالبها وساهمت في حملات ضغط غير مباشر على المعنيّين لإيجاد مخرج اقتصاديّ ممّا هم فيه، وقد نجحوا في ذلك بعد توقيع اتّفاقيّة أغادير.
لا شكّ أنّ المستثمر ينظر إلى الصحافة المسؤولة والباحثة عن الحقيقة بأنّها ضمانة له ولاستثماراته، فهو يعتبرها بمثابة القاضي الّذي يلجأ إليه عندما يشعر بالظلم أو عندما يواجه تغوّل بعض المسؤولين أو أصحاب الأجندات على استثماراته.
ليس صحيحاً أنّ النقد والكشف عن الاختلالات في أي إجراءات حكوميّة أو سياسات معيّنة قد يؤدّي إلى طرد المستثمرين، على العكس تماماً فحرّيّة الرأي والتعبير والحراك الّذي تحدثه وسائل الإعلام ظاهرة صحّيّة للاستثمار، بدليل أنّه ومع كلّ ما تناولته وسائل الإعلام من انتقادات لإجراءات اقتصاديّة غير سويّة أو تشريعات ثبت بعد ذلك أنّها مسخّرة لخدمة فئة قليلة من المجتمع ما تزال الاستثمارات الخارجيّة تتدفّق على الأردنّ بنسب عالية مستغلّة الاستقرار النوعيّ الّذي تنعم به المملكة.
لا شكّ أنّ بعض المسؤولين أو أصحاب الأعمال، خاصّة أولئك المتحالفين مع الساسة لا يرغبون بإعلام حرّ ونزيه، لذلك يواصلون حملة ترهيبه ووضعه في أجواء من الرعب، فهو يشكّل لهم تحدّياً أمام استمرارهم بمخالفة القوانين والأنظمة واستغلال نفوذهم في تكديس أرباح يجنونها بطرق غير مشروعة، هؤلاء اعتادوا العمل في الكواليس بعيداً عن المساءلة والرقابة، لذلك لا نتعجّب من موقفهم المأزوم الداعي إلى ترهيب الإعلاميّين.
هناك من يقول إنّ الإعلام اليوم بات يخدم مصالح ضيّقة وأجندات بعيدة عن المصلحة العامّة، وقد يكون هذا صحيحاً وينطبق على بعض الإعلاميّين، ولكن يجب أن لا تعمّم تلك النغمة السيّئة، على أنّها موجودة في كلّ القطاعات والأعمال، فالجميع يعرف أن هناك مسؤولين قدّموا إلى البلد ولا يملكون ثمن أقساط سيّاراتهم الصغيرة، واليوم يشيدون قصوراً ويحوّلون ملايين الدولارات إلى مصارف في الخارج.
بيئة الأعمال وجذب الاستثمارات بأمسّ الحاجة إلى إعلام دولة مسؤول ونزيه، فذلك الإعلام هو الشريك الحقيقيّ في عمليّة التنمية المستدامة لا الإعلام المرعوب ذو الأجندات الخاصّة.

التعليقات مغلقة.