اشتداد المسيرات في إسرائيل وإذعان نتنياهو
وصلت أعداد المسيرات في إسرائيل المناوئة للتعديلات القضائية التي تدفع بها الحكومة مدعومة بأغلبية برلمانية لمئات الآلاف وربما ملايين. حالة من الشلل وعصيان مدني اجتاحت إسرائيل كان الهدف منها ثني الحكومة عن تعديلات على قوانين السلطة القضائية كانت سوف تعطي اليد الطولى في القرارات للسلطة التشريعية وتكف يد السلطة القضائية إذا ما صوتت السلطة التشريعية بأغلبية ضد قرارات القضاء في إسرائيل.
التعديلات التشريعية التي تريدها الحكومة سوف تغير من توازن السلطات في إسرائيل، والأرجح أنها ستمس استقلال القضاء، وهذا أحد أهم مؤشرات الديمقراطية، لذلك فالتعديلات المقترحة تلقت نقدا دوليا وجوبهت بمسيرات ضخمة.
تراجع نتنياهو تحت ضغوط المسيرات والعصيان المدني وشل الحياة العامة، رحل التعديلات المقترحة لبناء مزيد من القبول الشعبي لها.
السؤال البديهي الذي يخطر بالبال، هل ما حدث ويحدث من تعديلات مقترحة على صلاحيات القضاء، ومقابلها مسيرات ومواجهات، عمل سياسي طبيعي أم أنه خروج عن قواعد العمل الديمقراطي؟ هذا سؤال مهم لأن على عكس ما اعتقد نتنياهو أن ما يحدث شأن ديمقراطي طبيعي، هو في الحقيقة ليس كذلك، لأن أحد أهم عناصر تعريف الديمقراطية أنها حكم الأغلبية ولكن بما يحفظ الحد الأدنى من حقوق الأقلية! بمعنى لا يجوز للأغلبية، لأنها أغلبية، أن تغير قواعد العمل السياسي بما يمس توازن السلطات، أو الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق الأقلية من خلال تغيير بناء النظام السياسي.
التعديلات على صلاحيات القضاء سيغير بناء النظام السياسي وهذا معناه أن الأغلبية تجبرت وتجاوزت خطوطها، وخرقت قواعد العمل الديمقراطي.
شخصيا أعتقد أن هذه التعديلات على صلاحيات القضاء سببها الرئيس رغبة نتنياهو أن ينجو بنفسه إذا ما حاكمه القضاء بتهم الفساد الموجهة إليه، فهذا السياسي مثال حي على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، وهو في هذه الحالة وطلبا للنجاة من السجن، مستعد أن يدخل بلاده في مواجهات شعبية وعصيان مدني، ويطيح بتوازن السلطات في بناء النظام السياسي في إسرائيل. هذا هو نتنياهو؛ سياسي نزق مصلحته تتفوق على كل الاعتبارات مهما كانت. أي سياسي يحترم نفسه وبلاده كان سيطرح التعديلات على صلاحيات السلطة القضائية على الاستفتاء العام، أو أن يدعو لانتخابات مبكرة من شأنها إعطاء الناس الفرصة لانتخاب الأحزاب بناء على موقفها مما يجري.
ليس هذا أسوأ ما في الأمر من قبل نتنياهو، بل إن خطابه السياسي لما يحدث دخل مرحلة خطيرة من خطاب الكراهية، واستحضار لتعاليم توراتية من قبل حلفائه في الائتلاف تقول إن ما يحدث مقدمة لفتنة كبرى، وهذه الفتنة مطلوبة لأنها سوف تهيئ لعودة يأجوج ومأجوج ومن ثم يأتي المسيح أو المسايا. هذا ليس هرطقة أو ضربا من الجنون، هذا خطاب نسمعه من أحزاب اليمين في الحكومة الإسرائيلية، وهو بدوره استفز العلمانيين الإسرائيليين الذين يعتقدون أن هذا الخطاب سوف يطيح بإسرائيل كديمقراطية علمانية كما يرونها، ويزيل الدعم الدولي عنها وسوف لن تقوى على الصمود والاستمرار.
التعليقات مغلقة.