صحيفة الكترونية اردنية شاملة

برغم كل الظروف.. القضية الفلسطينية في مقدمة أولويات الأردن

التحرك السياسي الأردني باتجاه القضية الفلسطينية مبني على ثوابت أردنية واضحة وأبرزها قيام دولة فلسطينية مستقلة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام سبعة وستين وعاصمتها القدس وحق العودة والتعويض. ومع كل حراك سياسي أردني يبدأ المنظرون وخبراء السياسة بالتشكيك بأسباب ودوافع هذا التحرك، فيصلون إلى استنتاجات بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فهناك من يعارض أي تحرك سياسي أردني من مبدأ عدم التطبيع مع إسرائيل وكأن هذا هو مفتاح الحل لقضية فلسطين، وآخرون يعتقدون أن الأردن يسعى للحفاظ على أمن إسرائيل وهذا أبعد ما يكون عن ا?حقيقة، وآخرون لا يدركون معنى الحراك السياسي الضروري لتبقى القضية الفلسطينية حية تعيش في عقول وضمائر أبناء الوطن العربي وتبقى أيضا ضمن أولويات العالم أجمع.

والحراك السياسي الذكي لا يترك فرصة تساعد على تحقيق أهداف الدولة الاستراتيجية إلا وتعامل معها وحاول الاستفادة منها. فالبقاء خارج إطار الحدث والنظر إلى ما يجري حوله ترف لا تملكه دولة مثل الأردن. لأنها الأقرب إلى فلسطين وشعبها ولأنها الدولة الوحيدة التي تضع فلسطين في أعلى درجات أولوياتها. ولأن دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس هي مصلحة أردنية بقدر ما هي ضرورة لتحقيق أدنى درجات العدالة لشعب يتعرض يوميا للاعتداء الوحشي من جيش الاحتلال ومن المستوطنين، من دولة أصبحت تتفاخر بتطرفها الأعمى وعدم إنسانيتها فأصبحت د?لة كما وصفها الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر دولة فصل عنصري «أبرتايد».

ينطلق الحراك الأردني من حقيقة أن الأردن دولة قوية قادرة على القيام بما يلزم للحفاظ على أمنها. فلا يهزها تصريحات تصدر عن مسؤولين إسرائيليين أو أعضاء في الكنيست الإسرائيلي أو خبر صحفي إسرائيلي مهما كان موضوعه. وفي واقع الحال فإن مثل هذه التصريحات تساعد الأردن في حراكه السياسي، لأنه يثبت للعالم أجمع أن إسرائيل بدون ضغوط دولية لن تسعى أبداً إلى السلام، وتثبت يوماً بعد يوم أنها دولة عنصرية توسعية كما تظهر زيف ادعائها بأنها الدولة الديمقراطية المسالمة في المحيط العربي العدائي، كما تسوّق نفسها للعالم أجمع. وفي ال?قت ذاته فإن الأردن لا يستخف أبداً بالتصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين ولا يتجاهلها وبشكل خاص تصريحات وزير المالية الإسرائيلي والوزير بن غفير، لذلك فإنه يسير بحذر شديد على مسار علاقاته مع إسرائيل وفي جميع المجالات واضعاً نصب عينيه المصالح الأردنية العليا ومصلحة القضية الفلسطينية كذلك. وأذكّر هنا بأن الأردن وقف موقفاً صلباً وواضحاً عندما كانت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نتنياهو تحظى بدعم وتأييد أميركي غير مسبوق من الرئيس السابق دونالد ترامب صاحب صفقة القرن، وهنا خرج علينا من قال إن الموقف الأردني ليس?كافياً وآخرون طالبوا بإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل وغيرهم طالبوا الأردن بإعادة النظر بتحالفاته وعلاقاته مع دول المنطقة والعالم. ولكن الأيام أثبتت صحة الموقف الأردني ورجاحته وقدرة الأردن على الصمود أمام كل الضغوط السياسية والاقتصادية التي فرضت عليه في ذلك الوقت.

وشاهدنا في الآونة الأخيرة ذات المواقف من البعض عندما تحرك الأردن لتحقيق ما أصبح يسمى بالتهدئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ونسي الكثيرون مواقف الأردن المبدئية. وأنكروا على الأردن ما يقوم به في خدمة قضيته الأولى قضية فلسطين وأن كل الحراك السياسي الأردني على جميع الأصعدة يهدف إلى قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس.

أرى في الحراك الأردني الدائم وخاصة لقاءات العقبة وشرم الشيخ الأخيرة ما يخدم القضية الفلسطينية وشعب فلسطين من خلال ما يلي: أولا–إن الحراك جمع وللمرة الأولى بين ممثلي السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة إسرائيل على مستويين لم يجتمعا سابقا ومنذ زمن طويل، المستوى الأمني والمستوى السياسي. وهذا بحد ذاته حدث مهم لأنه يبرهن للعالم اعتراف إسرائيل الضمني بأن الحل الأمني للقضية الفلسطينية مستحيل بسبب صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال وأنه لا بد من العودة إلى الحل السياسي الوحيد الذي يعترف به العالم وهو حل الدولتين.

ثانياً–الحراك الأردني يهدف إلى حماية الشعب الفلسطيني من الإجراءات الإسرائيلية الأحادية الجانب مثل الاستيطان في أراضي الضفة الغربية وحماية الشعب الفلسطيني من الهجمات الشرسة التي يتعرض لها من جيش الاحتلال والمستوطنين كقتل للمدنيين الأبرياء وهدم منازل الشهداء…إلخ.

ثالثاً – يهدف الحراك إلى المحافظة على السلطة الوطنية الفلسطينية لأنها الجهة الوحيدة المعترف بها دوليا كممثل للشعب الفلسطيني، شئنا أم أبينا، وفي حال حلها أو إلغائها فإن الشعب الفلسطيني يصبح بلا جهة معترف بها دوليا تمثله وفي هذا تراجع كبير في قدرة هذا الشعب الأبي على مقاومة الاحتلال واستخدام المحافل الدولية لطرح قضيته العادلة.

رابعاً- إبقاء مشروع حل الدولتين قائماً على أنه الحل الوحيد الذي يقره العالم ويعترف به.

خامساً- تعرية إسرائيل أمام الرأي العام العالمي وإظهارها على حقيقتها كدولة محتلة توسعية لا تسعى للسلام.

سادساً–تحسين الأوضاع المعيشية للشعب الفلسطيني وأداً لمحاولات تهجيرهم من قبل إسرائيل ولمساعدتهم على تحمل ظروف الاحتلال البغيض.

التهدئة لا تعني وقف عمليات مقاومة الاحتلال فهذا حق للفلسطينيين تكفله جميع المواثيق والأعراف والقوانين الدولية. وعمليات المقاومة عمليات فردية أهمها صمود الأهل على أرضهم في فلسطين وهذا ما تسعى التهدئة إلى تحقيقه.

ومرة أخرى وبينما الأردن يسعى إلى التهدئة فإنه لا يحيد أبدا ولا يساوم على مواقفه المبدأية من القضية الفلسطينية فيما يتعلق بحق العودة والتعويض. وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. كما لا يمكن أن يتنازل عن الوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية والتي بدونها لكان واقع هذه الأماكن المقدسة على غير ما نتمناه.

أخيراً يدرك الأردنيون ما يتعرض له الأردن من ضغوطات نتيجة مواقفه هذه، كما يدركون أيضاً ما يتحمله الأردن من أعباء اقتصادية واجتماعية لأنه دولة تعتمد على مبادئ وقيم عربية أصيلة لا تحيد عنها ولا تساوم عليها، لذلك فالأردنيون يقفون بثبات خلف قيادتهم الهاشمية في إدارتها لملف القضية الفلسطينية ولن يتمكن المشككون من النيل من صلابة موقفهم الأصيل هذا.

التعليقات مغلقة.