صحيفة الكترونية اردنية شاملة

نحو إجراءات جمركية ناجعة لحماية الغذاء والدواء ومأمونية السلع العابرة للحدود

بقلم المحامي: محمد المأمون ابو رمان
إنّ جُلّ التشريعات العالمية لجأت الى فرض قيود الرقابة الجمركية على دخول وخروج البضائع عبر الحدود، ويبدو ان الدافع الاساسي لهذا الإجراء يهدف الى حماية مصالح عديدة جُلها اقتصادية تهدف الى حماية الصناعة الوطنية من مزاحمة الصناعة الاجنبية وتوفير سبل نمو هذه الصناعات لما له من أثر كبير في نمو الاقتصاد الوطني بمكوناته العديدة، وتوفر فرص العمل للعاملين للحد من ارتفاع نسب البطالة وخصوصاً بين الشباب، فيكون من واجب الدولة حمايتها من تلك المزاحمة والتي تكون معظمها غير عادلة.
ولما كانت جريمة التهريب الجمركي، هي جريمة مختلطة تجمع بين الصفة الضريبية والاقتصادية في آن واحد وإن القانون الجمركي يجمع من صفتي القانون المالي والقانون الاقتصادي، باعتبار ان الرسوم الجمركية تعد مصدراً مالياً للدولة من جهة ومن جهة اخرى يجب ان ترمي هذه الرسوم الى حماية الهيكل الاقتصادي العام للدولة، والاهم من هذا وذاك ان تهدف الإجراءات الجمركية بمجملها الى حماية المواطن من الغش والخداع الذي يتمثل في وضع سلع للاستهلاك دون التحقق من مطابقة هذه السلع للمواصفات والمقاييس التي تتعلق بسلامة السلع ومدى مأمونيتها للاستخدام.
والجدير بالقول انه يصعب التشكيك في اعتبار هذه الجريمة من الجرائم الاقتصادية، لا سيما جريمة التهريب الجمركي الناشئة عن مخالفة احكام المنع و التقييد، ذلك لان تهريب البضائع الممنوع استيرادها يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتهريب النقد، وبالتالي يستخدم التهريب في هذه الناحية كوسيلة للمقاصة غير المشروعة ، وتكمن خطورة هذه الجريمة ايضاً عند ارتكابها في الظروف الاستثنائية (كالحروب و الحصار الاقتصادي) مما يترتب عليه تهريب المواد الغذائية او الدوائية او باقي السلع الضرورية الاخرى الى خارج البلاد، او ادخال بضائع ممنوعة الى الداخل (كالأسلحة، والمخدرات، والمتفجرات)، وكل هذا يعتبر عاملاً من عوامل إنهاك الدولة وزعزعة اقتصادها وامنها الداخلي.
ولما كان الامر كذلك فقد تصدت التشريعات الناظمة لعملية عبور السلع عبر الحدود لهذه الجريمة ووضعت قيوداً على دخول وخروج السلع بما يكفل مصالح الدولة الاقتصادية، وحماية الصناعات الوطنية من المنافسة غير العادلة، وضمان جودة ومأمونية السلع التي توضع في الاستهلاك البشري للمواطنين داخل نطاق الدولة.
وبالرجوع الي نص المادة (2) ن من قانون الجمارك الاردني رقم 20 لسنة 1998 وتعديلاته، نجد انها عرفت البضاعة الممنوعة بانها ” كل بضاعة منع استيرادها او تصديرها بالاستناد الى احكام هذا القانون او اي تشريع اخر”.
وعرفت البضاعة المحصورة ” بانها البضاعة التي يصدر قرار من مرجع مختص بحصر استيرادها او تصديرها بجهة معينة او لجهة معينة”
وعرفت البضاعة المقيدة “بأنها البضاعة التي يعلق استيرادها او تصديرها على إجازة، او رخصة، او شهادة اواي مستند آخر من قبل الجهات المختصة”.
من خلال هذا التعريف نجد ان المشرع الجمركي احسن في وضع القيود اللازمة على حرية تبادل السلع عبر الحدود بما يوفر الحماية اللازمة للاقتصاد الوطني، وما يعنينا في هذا المقال هو تسليط الضوء على البضاعة المقيدة وكيف عالج المشرع الاردني المشاكل والتحديات التي تبرز من خلال تداول السلع المقيدة عبر الحدود، وباستعراض النصوص الناظمة لذلك نجد أن المشرع الاردني في قانون الجمارك وفي المادة 139/ ج منه قد عالج مسألة البضائع المقيدة، حيث قرر عدم السماح بإنجاز معاملة جمركية لاي بضاعة يعلق استيرادها او تصديرها على إجازة او رخصة او شهادة او اي مستند آخر قبل الحصول على ذلك المستند.
وعليه فأن البضائع المقيدة تستلزم الحصول على الاذن او الإجازة من الجهات التي حددتها القوانين ذات الصلة بما يكفل حماية الاقتصاد الوطني، وضمان جودة السلع وسلامتها، وحماية للمخزون الاستراتيجي للسلع من النفاذ او النقص بما ينعكس سلباً على حياة المواطن.
وفي هذا السياق نجد ان قوانين الزراعة والمواصفات والمقاييس والغذاء والدواء قد اشترطت الحصول على الموافقة لدخول البضائع الى البلاد، وذلك بعد إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من استيفاء كافه الشروط الصحية وضمان السلامة العامة عند استخدام البضائع والسلع المستوردة.
وتنفيذاً لذلك فأن اي بضاعة ترد الى البلاد يجب ان تخضع للفحص الفني من جهات الرقابة بما يكفل سلامة هذه البضاعة، وفي حال تبين انها مطابقة للموصفات والمقاييس وصالحة للاستهلاك البشري سواء كانت غذاء او دواء فأنه يجاز دخولها، اما اذا لم تنجح هذه البضاعة فأنه يتوجب على التاجر إعادة تصديرها او إتلافها حفاظ على حياة المواطنين.
إلا اننا نجد على ارض الواقع ان الكثير من العينات التي تؤخذ من البضائع المستوردة لغايات الفحص الفني تُسلم الى صاحب العلاقة المستورد او من يمثله لإرسالها الى الجهات الرقابية لإجراء الفحص الفني لها، ويتم الإفراج عن البضاعة وتسليمها للمستورد بعد التوقيع على تعهد بعدم التصرف بها إلا بعد ظهور نتيجة فحص العينات، وحرياً بالقول ان مستورد البضاعة يعلم العلم اليقيني فيما إذا كانت هذه البضاعة بالمواصفات التي استوردها تنجح في الفحوصات الفنية وتحقق المواصفات الفنية المطلوبة ام لا، وفي الكثير من الحالات يتم التصرف في هذه البضاعة بطرحها في السوق المحلي قبل ظهور نتائج الفحص، فاذا ظهرت النتائج وكانت سلبية اي ان البضاعة لا توافق المواصفات والمقاييس الاردنية ولا تحقق الاشتراطات الاردنية للغذاء والدواء، يتم اعلام دائرة الجمارك بذلك ولدى مراجعة المستورد والسؤال عن البضاعة لإتلافها او إعادة تصديرها يتبين انه قد تصرف بهذه البضاعة تفادياً لأي خسائر ولجني الربح من دون مراعاة لاشتراطات السلامة العامة ومأمونية الغذاء والدواء .
الأمر الذي بمؤداه يشكل تحايلاً على قوانين الرقابة على الغذاء والدواء ومأمونية وسلامة البضائع والسلع التي يتعامل معها المواطن الاردني، سيما وان العقوبة المفروضة على هكذا تصرف وفقاً لقانون الجمارك بحاجة الي مراجعة، فقانون الجمارك وفي المادة 204 منه اعتبرت ان التصرف في البضاعة المصرح عنها قبل ظهور نتائج فحصها إذا تبين ان هذه البضاعة غير صالحه للاستهلاك البشري او تشكل خطراً على السلامة العامة تأخذ حكم التهريب، وفرض على مرتكبيها عقوبة التهريب الجمركي التي حددتها المادة 206 من القانون التي جاء فيها “يعاقب على التهريب وما في حكمه وعلى الشروع في اي منها بما يلي:
1ـ بغرامة لا تقل عن الف دينار ولا تزيد عن عشرة آلاف دينار، وعند التكرار يعاقب بالحبس لمدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 5000 دينار، فهل من المعقول ان تكون عقوبة من ادخل الغذاء والدواء الفاسدين والبضائع التي تشكل خطراً على السلامة العامة ان يعاقب بالغرامة المالية فقط، وعند التكرار يحبس مده لا تقل عن سنة، وفي حال المصالحة ودفع الغرامات تسقط الدعوى بالإسقاط دون اي معقب عملاً بأحكام المادة 214 من القانون.
إنّ ميوعة عقوبة التصرف في البضائع المستوردة المخالفة للموصفات والمقاييس والتي تشكل خطراً على السلامة العامة والغذاء والدواء الفاسد، هي من شجع ضعاف النفوس على هكذا تصرف هدفهم كسب الربح السريع دون حسيب او رقيب، وتكديس البضاعة الفاسدة التي لا تقبلها الدول الاخرى للمواطن الاردني دون مخافة من الله ومراعاة لضوابط التجارة التي تفرض ان يتحلى التاجر بالأمانة والاخلاق وان يكون حريصاً على ارواح الناس كحرصه على افراد عائلته.
هذا النص وهذه المعالجة للبضاعة المقيدة المتداولة عبر الحدود بحاجة لمراجعة من ذوي الاختصاص واصحاب القرار بما يكفل سلامة الغذاء والدواء والسلع المتاحة للمواطنين، حتى نرتقي الى مستوى توجيهات صاحب الجلالة الملك عبدالله الثاني المفدى الحريص بكل توجيهاته على الحفاظ على المواطن في غذائه ودوائه وسلامته.

التعليقات مغلقة.