صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الهلع الزائد بشأن التهجير

أقترح صب بعض الماء البارد على موضوع الساعة الساخن وتكرار ترامب مطالبة الاردن ومصر باستقبال الفلسطينيين والضغط المحتمل على الاردن بوقف المساعدات.

مشكلة ترامب اليوم مع العالم كله وفي كل الملفات وليس المساعدات فقط.. ادارته توشك على اغلاق وكالة التنمية (يو اس ايد) وهي ملتزمة بمساعدات ومشاريع بالمليارات في كل مكان بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة، وهويتخذ قرارات تضرب اسس التجارة العالمية والعولمة والعلاقات الدولية. والجميع يتأهب للمواجهة. وقد اتخذ بتهور قرارات داخلية سرعان ما الغتها المحكمة العليا لعدم قانونيتها.

مقترح التهجير باطل قانونيا وسياسيا واخلاقيا وغير قابل للتطبيق بفعل موقف الفلسطينيين ومصر والأردن الصلب والقاطع. واذا فكر ترامب فعلا باستخدام سلاح المساعدات فسيكتشف سريعا انه غير مجد، والاردن قادر على تعويض اي خفض للمساعدات وكردّ أولي جاءت الاتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بمساعدات للأردن تصل الى ثلاثة مليارات على مدار ثلاث سنوات. وربما ان التحضير للاتفاقية بدأ مبكرا لكن زيارة جلالة الملك الى بلجيكا لتوقيع الاتفاقية مع الاتحاد باحتفال رسمي فورا بعد قرار ترامب كان «ضربة معلم» وابلغ رد مسبق على اي ضغوط قادمة.

الأهم هو الضغط السياسي المحتمل وقد تم التصدي له سلفا في اجتماع وزراء خارجة الاردن ومصر والسعودية وقطر والامارات وعمان في القاهرة حيث تم اصدار موقف قوي وقاطع بهذا الشأن ونرى فيه مقدمة لتكتل سياسي متماسك على جبهة واحدة لمواجهة المرحلة المقبلة. وقد يكون مقدمة لما تحدثنا عنه في مقال سابق عن تكتل مشرقي عربي يضم ايضا سوريا والعراق ليس لردع اسرائيل فقط بل لمخاطبة تركيا وايران من موقع التكافؤ والدفع لمقاربة جديدة مع الجارين المسلمين لاحترام الأمن العربي أمام المصدر الحقيقي الوحيد للخطر وهو الاحتلال الاسرائيلي والتطرف العدواني المجرم لليمين الصهيوني وأيضا الحد من النفوذ الايراني على العراق والنفوذ التركي على سوريا وعودتهما الى حضنهما الطبيعي العربي. والسعودية هي اول دولة يخرج اليها الرئيس احمد الشرع وفي ذلك دلالة مهمة. أما التصريح السعودي الأخير القوي والقاطع برفض اي شكل من التطبيع قبل احقاق الحقوق الفلسطينية واقامة الدولة المستقلة فيمكن البناء عليه. فايران نفسها تنسحب وتعتدل وتبحث عن فرص لإنهاء الحصار وتطبيع العلاقات مع الجوار والعالم.

ترامب يتعامل بالمصالح والأوزان ويحترم القوة ويتخذ قرارات يهتم بدورها في صنع صورته اكثر من اثرها الحقيقي واستدامتها ويجب التعامل مع موقفه بشأن تهجير الفلسطينيين من ارضهم بهذا المعنى فالمرجح انه يكرر ذلك الآن لكي يطرب اليمين الاسرائيلي المتطرف وتمرير صفقة غزة وانهاء الحرب. الا اذا وضع نتنياهو التهجير على طاولة مفاوضات المرحلة الثانية من الصفقة وهي لم تكن جزءا منها وهذه ستظهر كمناورة مكشوفة لإفشال الصفقة لا ترضي ترامب ولا الداخل الاسرائيلي.

لا اعني الاسترخاء في مواجهة مخاطر التهجير بل وضعه ضمن المخاطر الاستراتيجية على القضية الفلسطينية فهو من صميم برنامج الاحتلال وما يفعله العدو في الضفة اليوم يريد جعل حياة الفلسطينيين هناك جحيما. ولو تخلى ترامب عن الضغط من اجل التهجير في المدى المباشر فهو سيبقى ضمن خطة طويلة الأمد للتعامل مع القضية الفلسطينية وقد يدخل بصورة ما ضمن صفقة قرن جديدة. المهم اليوم ان تنجز المرحلة الثانية من الصفقة وفق بنودها وشروطها المعروفة وان يكون لدى العرب والفلسطينيين خطة لليوم التالي في غزة واعتقد ان حماس ستكون منفتحة تماما على تفاهم عربي فلسطيني لإدارة شؤون غزة وفي اطار استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية. بما يعيد الى الصدارة طرح الموضوع الاساسي وهو الاحتلال كمصدر دائم للعنف والحرب لن ينتهيا الا بالحل الشامل والعادل والدائم.

التعليقات مغلقة.