برعاية الأمير الحسن… انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي لتغيّر المناخ والصحة في المنطقة العربية
أكّد مندوب سمو الأمير الحسن بن طلال، الدكتور عدنان بدران رئيس مجلس أمناء الجامعة الأردنية خلال رعايته فعاليات المؤتمر الدولي الأول الذي عقد بعنوان “تغير المناخ والصحة في المنطقة العربية: تعزيز التعاون الإقليمي متعدد التخصصات” أن العالم يواجه تحديات كبيرة وغير مسبوقة ناتجة عن التغير المناخي ما يستوجب تحركًا جماعيًا عاجلًا.
وأشار إلى أن تجاهل التحذيرات العلمية السابقة قد قاد البشرية إلى حافة الخطر، موضحا أن المجتمع العلمي قدّم منذ سنوات طويلة أدلة علمية قاطعة على أن تغيّر المناخ سيصبح حقيقة واقعة بحلول نهاية القرن، إلا أن عددا من السياسيين وأصحاب القرار لم يتجاوبوا بالجدية المطلوبة.
وأشار إلى أن التلوث البيئي لا يعترف بالحدود الجغرافية، بل يمتد ليهدد الهواء والماء والصحة في جميع أنحاء العالم لذلك يجب مواجهته بحلول علمية وعملية جماعية دوليا وإقليمي، مؤكدا على مسؤولية الدول والشركات الملوّثة وواجبها في توفير الدعم والموارد للدول النامية لتمكينها من تطوير قدراتها البيئية.
وبين أن استمرار الوضع الراهن من التغير المناخي دون حلول واقعية وشاملة سيؤدي إلى غرق المناطق الساحلية، وتهديد حياة أكثر من نصف سكان العالم الذين يعيشون على السواحل.
كما حذّر من فقدان الكثير من التنوع الحيوي العالمي، بما يشمله من جينات وكائنات حية وموارد وراثية ثمينة تراكمت على مدى ملايين السنين، مشددًا على أن هذا التدهور يشكّل خطرًا مباشرًا على الأمن الغذائي والزراعة والصحة العامة، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط التي يُتوقّع أن ترتفع فيها درجات الحرارة بشكل مقلق، وتنخفض معدلات الأمطار بنسب كبيرة أيضا.
كما شدد على ضرورة دمج البحث العلمي المرتبط بالمناخ ضمن أنظمة الرعاية الصحية في المستشفيات والمراكز الصحية، انطلاقًا من فهم عميق للعلاقة الوثيقة بين البيئة وصحة الإنسان، مجددًا التأكيد على جهود سمو الأمير الحسن بن طلال التي دعت لإعادة التفكير في علاقتنا بالأرض، وتحمّل مسؤولياتنا الأخلاقية تجاه الأجيال القادمة.
وأشاد الأستاذ الدكتور خالد الحياري رئيس الجامعة الهاشمية خلال كلمته، بجهود سمو الأمير الحسن في الدعوة إلى أهمية البحث العلمي والترابط بين التخصصات، والتعاون الدولي والإقليمي القائم على المعرفة في مواجهة التحديات العالمية والإقليمية، مؤكدا أن هذا المؤتمر يبرز دور الجامعة، ويجسّد رؤيتها في التنمية المستدامة، ويرسخ دورها في ربط البحث العلمي بالواقع المناخي والصحي المتغيّر.
وأضاف: نجتمع اليوم في لحظة لا تحتمل التأجيل، فتغيّر المناخ يعدّ تهديدًا مستقبليًا، وأزمة راهنة ومتفاقمة معا، إذ نُعاين في العالم العربي آثارها الملموسة من ارتفاع درجات الحرارة، وتفاقم ندرة المياه، وتدهور جودة الهواء، وتكرار موجات الحر الطويلة، مؤكدا أن هذه ليست مجرد قضايا بيئية، بل هي طوارئ صحية عامة تطال أكثر الفئات هشاشة، وتنهك أنظمتنا الصحية، وتعقّد مسيرتنا نحو التنمية المستدامة.
وأوضح أن أزمة المناخ لم تعد نظرية، بل هي واقعٌ معاش، تنعكس في كل موجة جفاف، وعاصفة رملية، وأسرة نازحة، وحالة مرضية ناجمة عن الحرارة، مشيرًا إلى أن ما هو أخطر من هذه الأعراض الظاهرة هو التهديد الصامت والمنهجي الذي يشكّله تغيّر المناخ على صحة الإنسان، وما يحمله من تقويض لتقدّمٍ امتد لعقود، وتراجع لجهود الاستدامة.
وشدّد الدكتور الحياري على أن المنطقة العربية تتحمّل عبئًا غير متكافئ، قائلًا: على الرغم من أن مساهمتها في الانبعاثات العالمية ضئيلة، إلا أن تعرّضها لمخاطر المناخ كبير، خاصة في ظل هشاشة بنيوية تتمثّل بالنزوح، والفقر فضلًا عن انعدام الأمن الغذائي والمائي، داعيا إلى استجابة متكاملة تجمع بين مختلف العلوم والتخصصات، مؤكدًا أن التحرك الجماعي هو السبيل الوحيد لمواجهة الأزمة بحيث يفتح أفقًا جديدًا نحو بناء شراكات استراتيجية، وإنتاج معرفة متعددة التخصصات تستجيب للتحديات الواقعية، وتؤسس لمنظومة استجابة إقليمية متماسكة وعادلة.
وقدم الأستاذ الدكتور وائل الدليمي من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو عرضاَ تضمن ما يشهده العالم اليوم من الأعاصير والفيضانات والجفاف وغيرها من الظواهر المناخية المتطرفة، التي توقعها وحذر منها العلماء منذ نهاية القرن الماضي، مشيرا إلى أننا نعيش اليوم تلك التأثيرات بشكل مباشر من ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها على جودة المياه، مما ساهم في انتشار الأمراض، وشكل خطرًا على الصحة الجسدية والنفسية عالميًا، كما تحدث عن دور “المركز العالمي للتغير المناخي والمياه” الذي تأسس في الجامعة الهاشمية بالشراكة مع الجامعة الأردنية وما أنجزه المركز من خلال إنشاء محطة تحلية للمياه في منطقة الخالدية ومشروع إعادة استخدام المياه الرمادية في مخيم الزعتري؛ مما يُقلل من استهلاك المياه بنسبة تصل إلى 50% إضافة إلى مشاريع بناء القدرات لأبناء المجتمع المحلي بطريقة مستدامة ونموذجية، إضافة إلى إجراء عدة بحوث حول العلاقة بين التغير المناخي والصحة في الأردن.
وذكر رئيس اللجنة العلمية الأستاذ الدكتور فايز عبدالله من جامعة العلوم والتكنولوجيا أن المؤتمر ينطلق بمشاركة نخبة من العلماء والأكاديميين والباحثين وصنّاع القرار وممثلي المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني المعنية، وممثلين للجامعات الأردنية والعربية والأمريكية ومراكز الأبحاث والوزارات والمؤسسات المختلفة، كما يشمل مجموعة من طلبة الدراسات العليا من الجامعات الأردنية والعربية، إلى جانب طلبة البكالوريوس من التخصصات المرتبطة بقطاعات المياه، والطاقة، والأمن الغذائي، والصحة، وأضاف أن المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على العلاقة التبادلية بين تغيّر المناخ والصحة العامة، وبناء تشاركية عالية بين التخصصات المختلفة والمتعددة لمعالجة التحديات البيئية والمناخية والصحية العالمية، ولبناء فهم إقليمي مشترك وتعاون متكامل.
كما قدم الأستاذ الدكتور مختار ربيع من جامعة تكساس “إيه آند إم” الأميركية، عرضاً تضمن ما تتطلبه المرحلة الراهنة من تحول جذري في نماذج العمل والسياسات البيئية، من أجل تحقيق التوازن المنشود بين الاستدامة الاقتصادية والحفاظ على البيئة وصحة المجتمعات، مشيرا إلى ضرورة ترابط حلول تحديات الغذاء والمياه والطاقة وداعيا إلى ضرورة إدماج حلول الصحة ضمن نسق شامل ومتكامل.
وبيّن الدكتور ربيع أن من أبرز التحديات التي تعيق تنفيذ السياسات القائمة على العلم، غياب المعرفة المؤسسية، وضعف الاتساق في البيانات، إضافة إلى محدودية النشر العلمي وغياب التوعية العامة والقدرات المجتمعية، مشيرًا إلى ضرورة تجاوز هذه العوائق من خلال الاستثمار في بناء المعرفة والتدريب وتطوير الأدوات المساعدة.
وتشارك في تنظيم المؤتمر الدولي الأول للتغير المناخي والصحة، كلٌّ من: الجامعة الأردنية، وجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية، والجمعية العلمية الملكية، وجمعية العمل المناخي في الأردن، كما تشارك من الولايات المتحدة الأميركية جامعات: جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة كاليفورنيا في سان دييغو، وجامعة تكساس “إيه آند إم”، وجامعة هارفارد، ومن الدول العربية، تشارك جامعة البلمند من لبنان، وجامعة محمد السادس من المغرب، بالإضافة إلى الأكاديمية العربية لأخلاقيات البحث العلمي.
وشمل المؤتمر على اثنتي عشرة جلسة علمية تشمل موضوعات مختلفة تتناول التغيرات المناخية وأثرها على المجتمع، ودراسات العلاقة بين التغيرات المناخية وقطاعات المياه، والغذاء، والطاقة، والصحة العامة، إلى جانب موضوعات تتعلق بالاستفادة من الذكاء المناخي ولغة الآلة في جهود التخفيف من آثار التغيرات المناخية، وحوكمة وإدارة سياسات المناخ، وتلوّث الهواء والصحة، وتعليم الصغار وأثره في بناء وعي مناخي، وتحليل البيانات لأغراض مناخية وصحية، والصحة النفسية المرتبطة بالتغيّر المناخي، ودبلوماسية المياه والتفاوض ضمن أطر السياسات المناخية.
ويُعقد على هامش المؤتمر ستّ ورش عمل تدريبية متخصصة موجهة لطلبة الدراسات العليا والمهتمين، تهدف إلى تعزيز معارفهم في مجالات نمذجة الترابط بين المياه والطاقة والغذاء والصحة، وأساليب الحصول على البيانات من المصادر المفتوحة، وتحليل البيانات المكانيّة والزمانية، وكتابة مقترحات المشاريع، وتطبيق علم تنفيذ المشاريع، والذكاء الاصطناعي.
وشهد المؤتمر تقديم أوراق علمية نوعية ضمن جلسات متعددة، ناقشت موضوعات متقدمة حول تأثير مركّبات النترات والنتريت في دم النساء الحوامل في المناطق الريفية، والتعرّض للمركّبات السامة مثل ثنائي الفينيل متعدد الكلور لدى الأطفال، وتحليل الظواهر الحضرية مثل الجزر الحرارية وموجات الحر، بالإضافة إلى أبحاث تناولت صلة تغيّر المناخ بأمراض غير معدية، والضغوط النفسية على الفئات اللاجئة، وتقييم السياسات الوطنية للمياه من منظور مناخي وصحي.
كما ناقش المشاركون سبل دمج الاعتبارات المناخية في خطط وزارات الصحة والزراعة والمياه، ومدى وعي الكوادر الصحية والمعلمين والمدارس بأثر التغيّر المناخي، وأثر هذه الظواهر على الصحة النفسية والسلوكية لدى الطلبة، واللاجئين، وسكان الأطراف. وتضمنت النقاشات دراسات نقدية في سياسات الحوكمة البيئية، ومقاربات للعدالة المناخية، وأخلاقيات البحث العلمي في السياقات الهشّة.
التعليقات مغلقة.