دراسة حبس المدين
أعدت جمعية البنوك الورقة التحليلية لتسليط الضوء على الآثار المحتملة للتعديلات الأخيرة على قانون التنفيذ الأردني رقم (9) لسنة 2022، والتي تضمنت إلغاء حبس المدين للمدين العاجز عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية، واستعرضت من خلالها تجارب الدول العربية والأجنبية التي طبقت بدائل لحبس المدين.
ما أثر إلغاء حبس المدين العاجز عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية على النظام المالي والائتماني في الأردن؟ وهل ساهم هذا الإلغاء في تعزيز الحماية الاجتماعية للمدينين المعسرين أم تسبب في اختلال العلاقة التعاقدية بين الدائن والمدين؟ وهل أصبح الدائن بلا وسيلة فعالة لتحصيل حقه؟ وهل تراجعت شهية البنوك للإقراض؟ وما مصير فعالية أدوات التحصيل التقليدية؟ وهل التجربة الأردنية تتوافق مع التجارب الدولية أم تختلف عنها من حيث الجاهزية والبنية التشريعية؟
في ضوء هذه التساؤلات، أعدت جمعية البنوك الورقة التحليلية لتسليط الضوء على الآثار المحتملة للتعديلات الأخيرة على قانون التنفيذ الأردني رقم (9) لسنة 2022، والتي تضمنت إلغاء حبس المدين للمدين العاجز عن الوفاء بالتزاماته التعاقدية، واستعرضت من خلالها تجارب الدول العربية والأجنبية التي طبقت بدائل لحبس المدين.
وقد أشارت الورقة إلى عدة تحديات يفرضها إلغاء حبس المدين دون توفير بدائل تنفيذية فعالة، أهمها: ارتفاع محتمل لمعدلات التعثر وضعف الانضباط المالي، واختلال التوازن في العلاقة بين الدائن والمدين، وتراجع شهية البنوك للإقراض، وضعف فعالية أدوات التحصيل التقليدية، وتهديد محتمل للاستقرار المالي والائتماني، وازدياد الضغط على الجهاز القضائي نتيجة ارتفاع النزاعات.
فهل كان إلغاء الحبس بحد ذاته خطأ؟ أم أن المشكلة كانت في توقيت الإلغاء دون توفير منظومة بدائل متكاملة كما فعلت دول أخرى؟
وقد توصلت الورقة إلى أن المشكلة لا تكمن في إلغاء حبس المدين بل في غياب منظومة بدائل فعالة في الأردن وغياب التمييز بين المدين المعسر والمماطل في الإطار القانوني الأردني، وضعف أدوات الردع غير السالبة للحرية مثل المنع من السفر وتقييد الخدمات والحجز الإلكتروني، إضافة لعدم وجود إطار قانوني للتسوية وجدولة الديون للفرد المعسر كما في الدول الأخرى، فهل يُعقل أن يُعامل المماطل والمتعسر بنفس الطريقة؟ وهل يمكن تحميل القضاء عبء التعامل مع كل هذه الحالات دون أدوات تنفيذية؟
وفي ضوء تطبيق التعديلات الجديدة خاصة المادة (22) التي تمنع حبس المدين في حال العجز عن الوفاء بالالتزامات التعاقدية، تبرز مجموعة من التحديات الجوهرية التي قد تواجه المنظومة المالية والمصرفية في الأردن، فهل أدّى ذلك فعلاً إلى تراجع أدوات الضغط القانونية على المدين غير الملتزم؟ من المتوقع أن تؤدي إزالة أداة الحبس من منظومة التحصيل إلى تراجع الالتزام بالسداد من قبل بعض المقترضين، وخاصة أولئك الذين كانوا يعتمدون على التهديد القانوني بالحبس كعنصر رادع.
أما فيما يتعلق بالبنوك، فهل تأثرت فعلاً شهية الإقراض؟ قد تؤثر التعديلات الحالية سلباً على توجهات البنوك نحو التوسع في منح التسهيلات الائتمانية، لا سيما للمقترضين الأفراد أو المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر الذين لا يمكن تأمين قروضهم بضمانات كافية، ففي ظل انعدام أدوات التحصيل الفعالة، تزداد درجة المخاطرة المرتبطة بالإقراض، مما يدفع البنوك والمؤسسات المالية إلى تشديد شروط التمويل أو تقليص حجم الائتمان الممنوح.
هل البدائل الحالية للتحصيل كافية؟ الحلول البديلة المتاحة حالياً لتحصيل الديون – مثل الحجز على الأموال أو الأصول – تتطلب إجراءات قانونية معقدة ومكلفة، وغالباً ما تكون محدودة الجدوى في حال عدم وجود ممتلكات مسجلة باسم المدين، وبالتالي، فإن فعالية النظام التنفيذي بأكمله تتراجع، مما يُضعف الثقة لدى الدائنين ويُعزز ظاهرة الإفلات من المسؤولية المالية.
وخلصت الورقة إلى مجموعة من التوصيات التشريعية والتنظيمية والإجرائية، منها إعادة إدراج الحبس كأداة استثنائية في حالات “الامتناع المتعمد” عن السداد، وإدخال بدائل مثل المنع من السفر والحجز الإلكتروني، وإعداد قانون للإعسار المدني للأفراد، وإنشاء سجل ائتماني سلبي للمتعثرين، وربط محاكم التنفيذ إلكترونياً بالبنوك والجهات الحكومية، ووضع خطة وطنية متكاملة لتفعيل البدائل بمشاركة جميع الجهات ذات العلاقة مع التدرج في التطبيق لتفادي الأثر السلبي المفاجئ.
المطلوب اليوم ليس التراجع عن الإلغاء، بل استكماله بمنظومة متكاملة تحفظ التوازن وتعيد الثقة إلى العلاقة التعاقدية والاقتصادية في الدولة.
التعليقات مغلقة.