لماذا ارتفعت الثقة برئيس الوزراء؟
هذا هو السؤال الحقيقي الذي يفرض نفسه بعد صدور نتائج استطلاع الرأي الأخير لمركز الدراسات الإستراتيجية، والذي أظهر أن 70 % من الأردنيين يثقون بالحكومة الحالية، و67 % يرون أن رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان قادر على تحمّل مسؤوليات المرحلة.
فهل فعلاً أدّت الحكومة عملاً استثنائياً، أم أن السياق العام كان لصالحها؟ الواقع أن هناك أسباباً واضحة، منطقية، وتكاد تكون محسوبة بدقة لشرح هذا الارتفاع في الشعبية:
أولاً: هذه الحكومة لم تدخل في اشتباك حقيقي مع الشارع ولم يحدث صدام مع مجلس النواب، والكل يتذكر كيف سحبت الحكومة مشروع قانون الملكية العقارية من المجلس بعد أن ارتفعت حدة الحوار في المجتمع لدرجة مقلقة لتنزع بذلك فتيل أزمة كادت أن تتطور بشكل سلبي أشبه ما يكون بقانون الضريبة في سنة 2018.
كما لم تقع أزمات كبرى مع النقابات أو القطاع الخاص، ولم يكن هناك “عنوان جدل” واضح يمكن أن يتصدر المشهد السياسي أو الإعلامي، وأعتقد أن هذا الغياب للاصطدامات منح الحكومة مساحة عمل هادئة، وهو أمر نادر في السياق السياسي المحلي، فالهدوء لا يعني غياب العمل، لكنه يعني أن الحكومة لم تُختبر بعد في مواقف صعبة قد تقسم الرأي العام، وهذه ميزة مرحلية.
ثانياً: جميع المؤشرات الاقتصادية تشهد تحسناً نسبياً، وهنا ليس بالضرورة أن الناس يشعرون بفرق كبير في حياتهم اليومية، لكن المؤشرات الاقتصادية والمالية لا تتراجع، فهناك نمو في الناتج المحلي الإجمالي- 2.8 %- زيادة في الاحتياطيات- 23 مليار دولار-، وتضخم معتدل وهو الأقل في المنطقة-1.8 %-، ونمو في الإيرادات بحدود الـ 10 %، زيادة في الصادرات-6 %-، وارتفاع في التدفقات الاستثمارية في النصف الأول- 14 %- وباقي المؤشرات المالية والنقدية إيجابية، حتى الموازنة ورغم كل التحديات تقترب كثيرا من تحقيق فرضياتها، والعلاقة مع المانحين وصندوق النقد تسير بشكل سلس، وبالمقارنة مع أزمات سابقة وتراجع اقتصادي في حكومات سابقة، فإن مجرد الثبات أو التحسن النسبي يبدو وكأنه إنجاز، وهذا كافٍ ليُحسب لصالح الحكومة، لا سيما في عامها الأول.
ثالثاً: الرئيس لم يظهر إعلامياً، وهذا أمر غير مألوف في المشهد السياسي الأردني، إذ لإن رئيس الوزراء لم يخُض معركة الظهور المتكرر، ولم يدخل في مناكفات إعلامية، ولم يتحدث كثيراً ولم يمنح خصومه فرصة لاستغلال تصريحاته، وهذا الغياب النسبي عن الإعلام خفّض مستوى التوتر العام، وأبعده عن أن يكون موضوعاً للتراشق أو الجدل، فالناس لم يعتادوا عليه كرجل استعراض، بل كشخص يعمل بصمت.
رابعاً: الرئيس وفريقه كانوا حاضرين ميدانياً، وهذا الحضور، أعطى انطباعاً بأن الحكومة ليست بعيدة عن الشارع، وأن هناك تواصلاً حقيقياً مع قضايا الناس، فالبعض قد يعتبر أن ليس كل زيارة تستحق أن يذهب لها رئيس الحكومة شخصياً، لكن الفكرة هنا أن الحركة نفسها تُعطي انطباعاً إيجابياً، وإحساسا لأكبر بهموم الشارع والمواطنين، وهو سلوك حضاري عززته الحكومة ممثلة تحديدا برئيسها في العمل الميداني ليكون بمثابة مأسسة لكل المسؤول أياً كان موقعه، فلا ننسى أن هناك حكومات اختفت لسنوات عن زيارة محافظات وتحديدا في الجنوب، فهل هذا الأمر كان سليما من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟
خامساً: الحكومة وضعت المشاريع الكبرى على مسار التنفيذ، فالناقل الوطني، وسكة الحديد، مشاريع المدينة الجديدة، والمرافق الرياضية وغيرها، كلها باتت قوسين أو أدنى من التنفيذ الفعلي على أرض الواقع، فهي مهدت وسارت بمشاريع المئوية الجديدة للدولة، ووجود رؤية واضحة وأولويات محددة هو عامل مهم في تقييم الأداء، فالمواطن يريد أن يرى بداية مشروع، وأن يشعر أن هناك شيئاً يُبنى للمستقبل، وأن هناك خطة تتجاوز الإطفاء اليومي للمشاكل.
سادساً: الحكومة بدأت معالجة ملفات شائكة، أبرزها ملف المركبات والتعامل مع بعض التشوهات الاقتصادية، ولا ننسى ملف مركز الحسين للسرطان وكيفية معالجته وتعزيز شمول الائتمان به، وهناك ملفات أخرى قيد الدراسة، وهذا يعطي انطباعاً بأن الحكومة لا تدير فقط اليوم، بل تُعيد النظر في بعض السياسات، وإعادة التقييم الدائم مؤشر نضج إداري ومرونة، ويعزز الثقة بأنها ليست حكومة تصريف أعمال.
أضف إلى ذلك أن الحكومة تجاوزت تداعيات أزمات إقليمية صعبة، مثل التصعيد الإيراني والحرب الإسرائيلية، دون أن تنهار مؤشرات الاقتصاد المحلي أو يتأثر السوق الداخلي بشكل كبير، فالتعامل مع هذه الملفات بهدوء وكفاءة رفع من رصيد الحكومة دون ضجيج.
في النهاية، يمكن القول إن ارتفاع الثقة بالحكومة ورئيسها ليس بالضرورة لأنهم قدّموا معجزات، بل لأنهم ببساطة لم يرتكبوا أخطاء فادحة، وحافظوا على مستوى مقبول من الأداء، وأداروا العام الأول بخطوات محسوبة، إذ إنهم لم يتصدروا العناوين، ولم يشتبكوا مع الشارع أو الإعلام، وهذا وحده، يُعتبر إنجازاً، ومع ذلك، فالحكومة تسير بوعي في إدارة المشهد وقيادة عجلة التنمية برشد وعقلانية بعيدا عن الأضواء، وهذا بلا شك لا يعجب الكثير من أصحاب الصالونات السياسية التي لا يرتادها الرئيس والذي سنّ سنّة حميدة بابتعاده عن مشاهد اجتماعية مزعجة.
التعليقات مغلقة.