صحيفة الكترونية اردنية شاملة

معان: أحزان صحراوية

0

أصبح شهر نيسان مصدرا للفحة الحزن الصحراوي في ذاكرة معان وأهلها؛ منذ الهبة الشهيرة قبل ربع قرن، مرورا بأحداث نيسان من العام الماضي التي شهدتها جامعة الحسين وراح ضحيتها أربعة شباب أبرياء، وصولا إلى أحداث نيسان الجارية. وعلى الرغم من تنوع الأسباب والخلفيات التي وقفت وراء كل حالة عنف على مدى السنوات الطويلة الماضية، إلا أن توتر العلاقة بين المجتمع المحلي والدولة يبرز دائما إلى الواجهة، حتى في أحداث العنف الاجتماعي أو الطلابي.
الأمن مطلب الدولة كما يبدو؛ ولا تنمية بلا أمن، كما تقول نخب رسمية. وهذا صحيح، وهو بالأساس مطلب المجتمع. ومنذ سنوات طوال، لا يمر عام إلا يجتمع فيه أبناء معان ويطالبون الدولة بالتدخل لضبط الأمن. لكن ما الذي يحدث؟
بعيدا عن التناقض بين رواية المؤسسة الرسمية ورواية الناشطين في الشارع، هناك أسئلة لدى الناس أكبر من الروايتين، وهي تفسر جانبا من أحجية معان.
السؤال الأول، القديم الجديد، الذي يردده الناس هناك: لماذا تترك الأجهزة والإدارة المحلية الأوضاع الأمنية تصل إلى حد الانفلات، ثم تتدخل مرة واحدة، وبإفراط في استخدام القوة؟ السؤال الثاني: لماذا يتم إفشال جهود التنمية والتغيير، على الرغم من أن هناك اهتماما على أعلى المستويات، ومن الملك نفسه، لإحداث تنمية حقيقية في المدينة وجوارها؟ فمنذ أكثر من عقد، تم طرح العديد من المشروعات، معظمها تم إفشاله من خارج المدينة، أو أصبحت مشاريع متعثرة من دون أثر واضح؛ من مصانع سيارات “روفر” والمقالع، مرورا بالمنطقة التنموية، إلى إعادة بناء مشروع الزجاج، فوصولا إلى مشاريع الطاقة الشمسية. أما السؤال الثالث، فيتعلق بمدى موضوعية رواية الناس عن دور الإدارة المحلية في هذه الأزمات.
الأزمة في معان اليوم ليست تنموية واقتصادية، كما كنا نتصورها في السابق، وإن كان هذا جذرها؛ بل هي أزمة سياسية وإدارية وأمنية. وهناك شعور عميق لدى أبناء المدينة بأن مدينتهم مستهدفة، وأن طريقة التعامل معها من قبل الحكومات قد أساءت لمكانتها، وأصبحت طاردة للبشر وللاستثمار.
تلك الأسئلة تحتاج لإجابات شفافة واضحة، من منطلق حسن النوايا بأن الإرادة السياسية المركزية للدولة تريد الاستقرار والتنمية لمعان، وأهل المدينة يريدون ويطالبون قبل غيرهم بالأمن والعدالة. لقد عاينت شخصيا الحالة التنموية في معان عن قرب، وعملت أكثر من عشر سنوات على بناء قاعدة معلومات وبحوث ومسوحات اقتصادية واجتماعية، بحيث أصبحت هناك قاعدة علمية حول المحافظة هي الأكبر بين محافظات المملكة. لكن في المحصلة، هناك الكثير من التغيير، وهناك القليل من هذا التغيير يبقى ويُبنى عليه.
فمن المنظور الاقتصادي والتنموي، فإن حال معان مثل حال بقية المحافظات المطحونة، بما يكشف فشل التنمية، وهو فشل سياسي وإداري وليس في الإنفاق. دعونا نلاحظ كيف ازداد حجم البطالة في محافظة معان إلى نحو 20 %، وهي الأعلى بين محافظات المملكة، فيما ازدادت نحو 30 % عن المعدل الأساسي خلال السنوات الخمس الأخيرة. كما ازدادت جيوب الفقر في المحافظة خلال هذه الفترة، من أربعة إلى خمسة جيوب. وازدادت نسبة الفقر إلى نحو 26 %. ومتوسط الدخل السنوي للفرد في محافظة معان أدنى بكثير من المعدل الوطني (1330 دينارا مقابل 1660 دينارا للمملكة)، ومعدل التضخم هو 6.18 % في المحافظة، مقابل 5 % في المملكة.
كما يلاحظ هذا الوضع بشكل أقسى في بطء التحسن في مؤشرات نوعية الحياة الأساسية. إذ بحسب مسح دخل ونفقات الأسر للعام 2010، كان متوسط استهلاك الفرد للحوم الحمراء في محافظة معان هو الأقل في المملكة (2.88 كيلوغرام سنوياً مقابل 11.36 كيلوغرام على مستوى المملكة). وهناك أيضا بطء في تراجع نسب الأمية أو التقدم في مؤشرات التعليم في المحافظة؛ إذ بلغت الأمية في معان، العام 2003، نسبة
15.1 %، وهي ما تزال في حدود 13 % بعد عشر سنوات.
ليس المهم اليوم ما إذا كانت رواية الحكومة هي الصادقة، أو رواية الشارع في معان. المهم أن الحالة مستمرة. وهذا يعني أن السؤال حالياً سياسي بالدرجة الأولى. قصة التعامل مع المحافظات كلها، إداريا وتنمويا وسياسيا، هي قصة أردنية محزنة ومزمنة. وأقسى ما يكون الحزن حينما يغدو مزمنا ويعتق.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.