صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سوريا مقسمة ام موحدة

مهما كانت وجهة نظرنا حول النظام السوري معارضة أو تأييدا، فإن التاريخ يسجل أن الدولة السورية عاشت في حالة من الإستقرار والامن وادخال مشاريع نهضوية وزراعية فيها لمس آثارها المواطنون السوريون ،فازدهرت الحركة الصناعية والتجارية ،ووجد المواطنون فرص عمل كبيرة في بلدهم  ولم تغزهم العمالة الوافدة، وسجلت سوريا في بعض السنوات فوائض ي انتاج القمح وزيادة الحمضيات وكثرة في الثروة الحيوانية بالاضافة الى وجود سجل مالي يخلو من التدخلات الاجنبية. واملاءاتها.

ومنذ ثورة الربيع العربي السورية (بغض النظر عن اي رأي في كيفية وامكانية معالجتها في حينه) ابتدأت الامور تسير للخلف في جزء كبير من سوريا واهمها حلب الصناعية والزراعية ووانتشرت الفوضى في باقي المناطق لشرقية والشمالية، وكان هناك ونوع من ادارة العشائر في الجنوب، وبقيت العاصمة وحماة وحمص واللاذقية وطرطوس بعيدة عن القلاقل والحمد لله.

نتيجة لهذا الخلل الداخلي فان انقسام الشعب بين مؤيد ومعارض، وشدة الضغط على القوات المسلحة السورية وخاصة بعد ظهور الدواعش واحتلالهم للمناطق الشرقية المختلفة ، كان لا بد من ان يحسن النظام والجيش من قوته وامكانيات تحركه لمناطق النزاع،  فكان لا بد من العون الخارجي الذي بدأه حزب الله ثم تدخل ايران ثم الدعم الروسي الهائل عدة وعددا بما يمثله من قوة في النيران وقدرة على تحديد الاهداف ومعالجتها من ، فاحدث تدخله فارقا نوعيا ايجابيا لصالح النظام وبقايا الدولة، كما تدخلت تركيا والولايات المتحدة وبعض القوى الاجنبية معها. وسيطرت كل مجموعة على مناطق منها، فالولايات المتحدة اقوى قوة في المناطق الشرقية التي كانت مع الدواعش، والاتراك داخل سوريا الشمالية في عفرين، والايرانون وحزب الله بين لبنان والداخل السوري وربما ريف دمشق، في حين ان الجنوب منطقة هادئه لا مشاكل فيها وبدون تحركات عسكرية، وان كان يتعقد بان هناك تأثير امريكي أردني لابقاء المنطقة الجنوبية والجولان خاليتان من عناصر حزب الله وايران درءا للمشاكل المستقبلية مع الاردن ومع اسرائيل وبحيث لا يكون الجنوب ممرا لتهريب الجنود او العتاد أوإيصال الصواريخ الايرانية لحزب الله تحديدا ولئلا يكون خطرا اضافيا مستمرا في مواجهة اسرائيل.

ومع موجات التهجير الداخلية  والازاحة بين المناطق التي تراوحت بين 8 الى 10 ملايين حسب الاحصائيات الغربية، مع هجرة حوالي 4 ملايين سوري الى خارج سوريا، ووجود معارضة ضعيفة عسكريا وعير موحدة سياسيا، فان الواقع يشير الى ان لجميع القوى الموجودة على الارض السورة مصلحة  الآن في تهدئة الاوضاع لتبقى الامور ضمن منطق وامكانيات تحقيق المكاسب على الارض، فالدولة السورية والنظام والايرانيون وحزب الله يريدونها سوريا موحدة بالكامل وتحت نفس النظام وميزات العلاقة معه، والاتراك يريدون التخلص من اللاجئين في بلدهم ومحاولة ابعادهم عن الاراضي التركية بنقلهم الى شمال سوريا لابعاد انفسهم عن المشاكل المستقبلية، وللاردن مصلحة في ابقاء المنطقة الجنوبية امنة وخالية من مصادر التهديد الأنية والمستقبلية، سواء صدرت من المتطرفين او حنى من أصحاب مشاعر عدائية قد يحملها مؤيدو الظام او الايرانيون وحزب الله، وسيعتبر الامريكان ان وجودهم الرقابي والامني القريب من الجنوب  وفي الشرق ضروريان لعدم خلق فراغ يسمح بظهورالمتطرفين والدواعش ، وقد رأينا مساندة الرئيس الفرنسي لذلك مؤيدا امريكا على اطالة فترة بقاءها فسي سوريا، وتحت زعم ان امريكا يجب ان تبقى قوة ردع ضد الاسلحة الكيماوية وسيتيح ذلك لها مراقبة ميدانية لتحركات الايرانيين في سوريا، خاصة وأن وجودهم يخدم اغراض المراقبة للمناطق الغربية من العراق والمناطق الشرقية السورية، ويبقى الوجود الروسي داعما وموجودا لا شكوك في زخمه وقوته العسكرية والسياسية الى ان يتم حل الامور بما يرضي الدولة السورية التي يتصورها، وليس لدى روسيا موانع في احداث تغييرات غير جوهرية في هذا المجال.

سيسعى الجميع لفرض شروطهم في الحل السياسي، فروسيا والنظام مرتبطتان في ابقاء النظام، ولحزب الله وايران نفس الاهداف، اما بقية العالم قيسعى لاحلال السلام فيها وانهاء هذه المشاهد الدموية، ولكن العالم سيطلب تغيير القيادة السورية محملا اياها مسؤولية الفظائع والمشاهد غير الانسانية التي صاحبت اعمال ردع المتظاهرين والثوار واستخدام البراميل المتفجرة والقصف الجوي ضدهم ، مضيفين لها حكايات السلاح الكيماوي غير المثبتة او التي يمكن فبركة تقارير عنها.

لا أعتقد ان الاندفاع للحل السياسي سيكون سريعا، ولكنني اعتقد بأنه سيكون مصحوبا بتهدئة عسكرية جماعية من كل الاطراف، فيما عدا محاولات سيجريها الجيش  والنظام لتقوية وضعه في مناطق سيطرته والامساك بها امنيا بشكل قوي يمنع الاختراقات والمفاجئات، وسيقبل النظام تعديلات لها عناوين ديموقراطية، ولن يمانع بها محاولا كسب فرصة الهدوء والسلام الداخلي وايضا لشراء الوقت لتعيد اجهزة الدولة ترتيب ادوارها للتعامل مع المواطنين والشعب النازح داخليا من غير اللاجئين للخارج، واعتقد ان الدولة السورية ستتحفظ امنيا واجتماعيا واقتصاديا على اية إعادة سريعة للاجئين السوريين في الخارج حتى لا يشكلوا كتلة احتجاج شعبية ذات عدد كبير،  أو تخوفا من ان يكون بعضها مدفوع الاجر للاعتراض واحداث الفوضى.

كانت سوريا موحدة وصار مجزأةً داهمتها الفوضى والحرب في اجزاء كبيرة ، صمد الاسد والنظام والدولة ودفع المتظاهرون والثوار وجزء كبير من المواطنين ثمنا كبيرابقتل اعداد كبيرة منهم أو بهدم منازلهم ومغادرتها والنزوح عنها، وتحول جزء من السوريين المسالمين الى مقاتلين وبعضهم الى قتلة لأخوتهم.

هل ستعود سوريا موحدة؟ عاطفيا وعروبيا وقوميا نقول تعود باذن الله. وهل ستعود موحدة او ضمن توزيعات للحكم المحلي او شبه الكونفدرالي؟ اعتقد ان القوى الغربية سيعجبها ذلك. وهل ستستوعب مشاريع اعادة الاعمار طاقات وامكانيتات الشعب السوري المناضل المرابط؟ نأمل ذلك ولكننا لا نعرف متى تبدأ بعد الوصول الى وقف شامل لاطلاق النار قبل التسوية السلمية الكاملة والتي يمكن ان تتوامن معها.

سيتغير وضع سوريا عربيا وعالميا الى الافضل وان كنت اعتقد انها لن تحدث بسرعة كبيرة لوجود الاعاقات المرتبطة بضوررة  تغيير الرئيس الاسد وبقية المرتبطين به، وارتباطات لها علاقة بانسحاب أو سرعة انسحاب الايرانيين وحزب الله من سوريا وقبولهم بالحل الذي يمكن ان يرضي به النظام والدولة السورية، وستبقى معاناة اللاجئين مستمرة لفترة طويلة حيثما كانوا.

هل سيكون مستقبل سوريا امنا وسلميا أم ن غيوم وضباب وغبار المعارك سينحسران بسرعة؟

كلنا ومن منطلقات مختلفة نأمل في أن تعود سوريا لأفضل مما كانت، فكل دولة عربية آمنة سالمة قوية وديموقراطية هي مكسب كبير للامة العربية وكنا نتمنى لو ان هذه التحولات المقبلة الممكنة في سوريا كانت قد تمت بدون عنف وقتل وددمير وقهر وتشريد، وما نقدمه من المنيات ينطبق ايضا على بقية البلدان العربية بدون استثناء سواء منها ماخاضت من الاسوأ ، او كان منها من تفاداها لحد الان.

ارى سوريا موحدة في النهاية  وأراها دولة أغنى من ذي قبل، وتملك مقومات التنمية الشاملة في جميع نواحيها بهمة ومعرفة وخبرة ابنائها مهما كان شكل وترتيبات اعادة الدولة، وربما تعود العلاقات بين جميع الدول وخاصة علاقة الاردن مع سوريا الى افضل الممارسات المبنية على القربى وحسن الجوار التاريخي معها، ولعل الوضع المستقبلي والتعاون الدولي يسمح لابناء سوريا بأن يهتفوا لها قائلين : سوريا يا ذات المجد. أعاد الله ذلك على ابنائها وامتها.

التعليقات مغلقة.