صحيفة الكترونية اردنية شاملة

كيف نعزز التنافسية الدولية في عام 2018؟

خلص مقال الكاتب “كيف نحفز النمو الاقتصادي في الاردن؟” بأن انهماك سياسات ادارة الطلب الكلي (النقدية والمالية) باختصاصها في مجال تحقيق الاستقرار النقدي والمالي سيفرض عبئاً ثقيلاً على سياسات جانب العرض (أو ما سميته بالسياسات الاقتصادية القطاعية) الرامية الى تحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل، وبالتالي توسيع القاعدة الضريبية ودعم الاحتياطيات الأجنبية في الأجل الطويل.
هذا وتتطلع الدول من خلال سياسات جانب العرض – مهما كانت تسميتها- الى تطوير الكفاءة والانتاجية والتنافسية الدولية على المستوى القطاعي وبالتالي على المستوى الوطني، خصوصاً في القطاعات السلعية والخدمية القابلة للمتاجرة الدولية Tradable Sectors، أي في القطاعات الموجهة نحو التصدير بشكل رئيسي. سيركزهذا المقال على التنافسية الدولية (وليس على الانتاجية والكفاءة) في ضوء أولوية التصدير الى الأسواق الخارجية غير التقليدية ضمن الملف الاقتصادي الاردني المستقبلي.
تعزيز التنافسية الدولية يتطلب أولاً وأخيراً نقلة نوعية في الاداء المؤسسي. فعندما تنجز الوزارات والمؤسسات الاقتصادية القطاعية خططها وبرامجها بالشراكة مع القطاع الخاص، رغم الصدمات الخارجية، سيتحسن النمو القطاعي وبالتالي سيرتفع النمو الاجمالي من مستوياته الحالية (2.5-2.0%) الى المستويات المستهدفة (5% على الأقل في خطة تحفيز النمو الاقتصادي الاردني).
والى جانب الخطط القطاعية لتعزيز التنافسية الدولية، هنالك عوامل ومحددات اجمالية وعامة وعابرة للقطاعات، تتأثر بها كافة القطاعات وبالتالي بيئة الأعمال ككل، وسيركز هذا المقال على عامل أساسي للتنافسية الدولية هو استقرار الأسعار المحلية، أي أسعارالسلع والخدمات الأساسية.
ان ضمان الاستقرار في أسعار السلع والخدمات المحلية لا يحمي القطاع العائلي ومن ضمنه الطبقة الفقيرة والطبقة الوسطى فحسب، بل يساند أيضاً قطاع الأعمال من زاويتين: الأولى حماية القوة الشرائية والطلب الفعال للمستهلك المحلي، والثانية دعم المقدرة على التصدير للخارج بأسعار تنافسية.
هذا وتشير التنافسية الدولية الى قدرة الاقتصاد ومنشآت الأعمال على إنتاج سلع وخدمات قادرة على المنافسة في الأسواق العالمية، من خلال استراتيجيات تقليل الكلفة أو تطوير الجودة أو استهداف أسواق محددة Market Niches.
وفيما يخص الاردن، لا تزال معظم شركاتنا تعتمد بصورة رئيسية على استراتيجية تقليل الكلفة (تدني السعر) في منافستها مع شركات ودول العالم. السبب الرئيسي هو ارتفاع تكاليف الابتكار و”البحث والتطوير” ونقل التقنية الحديثة في القطاعات والانشطة الاقتصادية. فالنوعية المتميزة لها كلفتها وثقافتها وليس من السهل تقليد أو منافسة الدول الصناعية في مجال الجودة والنوعية في القطاعات ذات التقنية العالية دون سياسة صناعية عمودية وتوجه مركزي صريح ودعم حكومي قوي.
بدورها، تعتمد استراتيجية تقليل الكلفة بصورة رئيسية على الأسعار النسبية بين الاردن من ناحية وبين منافسيه وشركائه التجاريين على المستوى العالمي من ناحية أخرى. فكلما كانت مستويات الأسعار في الاردن أقل من نظيرتها في الدول المنافسة والشريكة تجارياً (مثل مصر وتركيا والامارات والسعودية ورومانيا والصين)، كلما تحسنت قدراتنا التنافسية المستندة الى السعر المنافس، وتمكنت شركاتنا من النفاذ الى الأسواق الدولية.
لعل السؤال المنطقي التالي هو كيف نضمن استقرار الأسعار وبالتالي استقرار بيئة الأعمال؟. الى جانب الدور الأساسي للسياسة النقدية وسياسة المنافسة، فان هنالك العديد من اللاعبين والمساهمين الرئيسيين في استقرار الأسعار.
ورغم أن التضخم المستورد الناجم عن ارتفاع الأسعار العالمية للطاقة والمواد الغذائية لا يمكن التحكم به محلياً، لكن يمكن التحوط منه جزئياً بالتخطيط الاستراتيجي والتنويع وتعزيز المنافسة في أسواق الجملة والتجزئة.
أيضاً فان للقطاع العام والبنوك الخاصة ونقابات العمال والتجار دورهم الأساسي في عدم المساهمة في دوامة ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية من خلال قرارات وصدمات سعرية متتالية ومتكررة. هذا يشمل أسعار الطاقة والمواد الغذائية الأساسية والضرائب على السلع وأسعار الفائدة المصرفية والحد الأدنى للأجور.
ويكتسب عامل استقرار الأسعار أهمية خاصة في تطوير التنافسية الدولية في ضوء عدم قابلية معظم الأسعار للانخفاض عقب ارتفاعها في أسواق الدول النامية. فعندما ترتفع مجمل الأسعار يندر ان تعود الى مستوياتها المتدنية ثانية، مما يعني كلفة ضمنية مستدامة Hidden Tax على كل من المستهلك والمنتج، وأيضاً على التنافسية الدولية طويلة الأمد.

التعليقات مغلقة.