صحيفة الكترونية اردنية شاملة

المديونيّة

تجاوزت المديونيّة العامة في شهر اب الماضي حاجز ٢٨ مليار دينار، وهو الأعلى مُنذ أعوام طويلة، وتُشكّل ما نسبته ٩٦.١ بالمئة من الناتج المحليّ الإجمالي.

هذه نسبةٌ كبيرة ومقلقة اقتصاديّا بكل ما في الكلمة من معنى، فدولة مُوازنتها الإجماليّة لا تتجاوز ٩ مليارات دينار، وتكون نسبة الدين بهذا المستوى العالي هو مؤشر سَلبيّ.

ارتفاع المديونيّة في نهاية تموز الماضي بمقدار ١.٢ مليار دينار تقريباً، مُقارنة عما كانت عليه في تموز من العام الماضي أيضاً يدّل على أن مسالة تخفيض المديونيّة الُمصرح بها من قبل الحكومة ما زالت عاجزة عن الوصول إلى الهدف المُعلن، وتواجه العمليّة عقبات عديدة لا تحدّ من نموها السلبيّ.

المُلاحظ في تطورات الدين العام هو انخفاض رصيده الخارجي بمقدار ٢٢٧ مليون دينار في شهر تموز ليصل إلى مستوى ١١.٦٣ مليار دينار او ما نسبته ٣٩.٨ بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ، مما كان ليعطي انطباعاً إيجابيّا اوليّاً، لكن للأسف كانت هناك تطورات سلبيّة على هيكل الدين الداخلي الذي ارتفع بمقدار  ١.٤ مليار دينار في نهاية تموز مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، ليصل مجموع الدين الداخليّ ما قيمته ١٤.٨٧٥ مليار دينا او ما نسبته ٥١ بالمئة من الناتج المحليّ الإجماليّ.

واضح أن هناك بعض العقبات التي تقف امام اندفاع الحكومة بمواصلة الاقتراض الخارجيّ، وإلا ما كان انخفض  بهذا الشكل، ويبدوا أن التأخر في إقرار مشروع قانون ضَريبة الدخل أثر هو الآخر بقيام الدول المانحة والصديقة باستئناف مساعداتها للمملكة، والمعروف أن هناك الكثير من المنح المتوقفة بانتظار شهادة حُسن سلوك من صندوق النقد الدوليّ الذي ربط هذه الشهادة بجملة من الإصلاحات المُتفق عليها ضمن برنامج تصحيحيّ مع الحكومة من أبرزها قانون الضَريبة.

هذا الأمر جعل الحكومة تواجه نقص الإيرادات وتزايد النفقات الطارئة من خلال  اللجوء للاقتراض الداخليّ الذي هو اسهل للحكومة وأقل خطراً للمُقرضين وعلى رأسهم صندوق الضمان الاجتماعي الدائن الداخلي الأكبر للحكومة.

حجم المديونيّة يقابله بشكل متوازن خدمة دين مُرتفعة جداً، وهي تزيد عن ١.٠٧ مليار دينار في عام ٢٠١٨، مما يدّلل على حجم الأعباء الماليّة المُترتبة على الخزينة العام للدولة جراء المديونيّة العالية.

القَضية الأكبر التي ستواجه الخزينة في الأعوام المُقبلة ليس نمو الدين العام بالنسب والشكل السابق، انما يتمثل التحديّ الأهم هو استحقاق ما يقارب ١٢ مليار دولار في الفترة ٢٠١٩-٢٠٢٣، وهي ديون اقترضتها الحكومات السابقة على أشكال سندات يورو بنود بفوائد عالية جداً يصل بعضها إلى ٧.٤ بالمئة تقريباً، وهو ما سَيُشكّل عبئاً خطيراً على الخزينة  التي ستواجه دفعات كبيرة من الاستحقاقات دون أن يصل النمو في الدخل الوطنيّ إلى مستوى يكون فيه الاقتصاد قادراً على تلبية عمليّات التمويل الإضافية للدين العام.

علاج المَديونية العامة لا يمكن ان يتم بالطرق التقليديّة، فالأمر بحاجة إلى جهود داخليّة وخارجيّة معاً حتى يتمكنا من وضع الاقتصاد الوطني في المسار الصحيح  في مواجهة كابوس الدين العام.

على الصعيد الداخلي، الحُكومة مُطالبة اليوم بوضع استراتيجيّة وطنيّة للدين تَقتضي مُواصلة الحكومة لاتخاذ الخطوات الداخليّة للحد من عمليات الاقتراض الداخليّ  وضبط النفقات العام بشكل حقيقي ومؤثر اقتصاديّا على الخزينة، وتحقيقُ العدالة الضَريبية والحدّ من التهرب أيضاً، هذا الأمر سَيُوفر للخزينة تَحصيلات ضَريبيّة جديدة غير تقليديّة.

أما على الصعيد الخارجيّ، فالحكومة لا يمكن لها أن تَطلُبَ دعماً من المانحين والمؤسسات الدوليّة دون أن تظهر تَعاوناً في الإصلاحات المُتفق عليها مع الصندوق، فالأمر يتطلب تَفَهُماً حقيقيا لعلاقة الصندوق بالحكومة وربطهما بالمجتمع الدوليّ الذي لَمّ يعد يقدم المساعدات دون النظر إلى تلك العلاقة، وهذا الأمر لا يعني الخضوع للصندوق بكل تفاصيل وما يطلبه، الأمر يَحتاج إلى توظيفٍ سياسيّ في العلاقة معه وشرح التحديات الحقيقية التي تُحيط بالأردن.

كُلّ ما يحتاجه الاردن اليوم هو خارطةُ طريق لمواجهة الدين العام وتداعياته السَلبيّة، والالتزام بها من قبل كافة مؤسسات الدولة.

[email protected]

 

التعليقات مغلقة.