صحيفة الكترونية اردنية شاملة

كلاسيكيات : فيلم المشاغبون في الجيش و رسالته الوطنية للشباب

تم عرضه لأول مرة في سينما القاهرة في 5 سبتمبر من عام 1984، و قد شارك به (مع حفظ الالقاب) سمير غانم و المرحوم سعيد صالح و المرحوم يونس شلبي و ليلى علوي و سحر رامي و سالي جلال مع باقة من ألمع نجوم الفن المصري، و هو من اخراج (مع حفظ الالقاب) نيازي مصطفى و قام مساعدته بالإخراج محمد حسن و عاطف السيسي، و هو اعداد مدينة السينما، و هو مميز بمشاهده الكثيرة التي تجسد للمشاهدين الجيش و تدريباته العسكرية،

المشاغبون في الجيش فلم هادف يريد ايصال رسالة بسيطة و صريحة و قوية للمجتمع المصري بالتحديد و العربي عموما عن طريق خبرة يمر بها ثلاثة شباب تائهين ضالين و عابثين بسلام المجتمع، متحد شاب ينحدر من اسرة عريقة و صاحبة نفوذ، و لكن والدته منشغلة بالإرتباطات الإجتماعية اكثر من اللازم، و والده من النوع المتسلط و الغير متفهم لعنفوان الشباب الذي يغلي بعروقه، فغالبا ما ينتهي الحوار بينه و بين متحد بالخلاف و عدم التفاهم، فوالده يريد من ابنه الإرتباط بابنة عائلة يجمع بينه و بين عائلتها الأعمال الهامة و لكن قلب متحد يكون مع فتاة آخرى اسمها علِيًة، كما ان والده يتوقع منه مساعدته بأعمال الشركة و لكن يشعر متحد بأن هذا الأمر ليس قريب منه كما يشعر بالتوهان الشديد بسبب اسلوب الضغط الذي يمارسه والده عليه و عدم اهتمام والدته به، متحد شاب ضال للطريق و فريسة عائلة لا تتفهمه إطلاقا و تقوده نحو الإنسياق بطرق الإجرام المهلكة،

الأمر مختلف بالسنبة ليسري حيث انه يعيش مع والدته الفقيرة و يعاني الأَمَرًيْن من سوء الاحوال المادية، فوالده متزوج من إمراة ثانية و أكثر ما يثير اهتمامه هو الإنغامس بالملذات الزوجية معها، فتكون النتيجة اهمال زوجته الأولى و ابنها البكر، و بالرغم من شكاوى يسري لوالده بأكثر من مناسبة من هذه المعاملة في زياراته له إلًا أنه لا يسمع منه الكلام اللطيف إطلاقا، و غالبا ما يقوم بطرده من الشقة، تكون النتيجة وخيمة على يسري إذ ان هذا الإهمال من الوالد يجعله ينحرف الى طريق الجريمة مع متحد صديقه، فنراهم في أول الفلم مع عصفور صديقهم يسرقون سيارة من دون ضمير رادع او شعور بالمسؤلية المترتبة على هذا الفعل، و حتى يقوم يسري بإنتحال شخصية دكتور أمام إمرأة يحبها لنرى كم الجريمة قد تاصلت بحياته مع اصدقائه،

عصفور شاب بسيط جدا فعراك أهله المستمر يخلق في داخله الرغبة ربما بمغادرة المنزل كليا و بصورة مستمرة، لذلك نراه يتبع متحد و يسري في كل مكان من دون بصيرة، كما أن شدة بساطة شخصيته تدفعه الى تقليدهم في كل شئ حتى بالسرقة و الإنحراف الأخلاقي من دون تفكير او تميز لما يفعله، و عند هذه النقطة الفيصلية من حياة هؤلاء الشابن الضالين لطريق الأخلاق القويمة نرى من خلال أحداث هذا الفلم عصابة كاسرة تقوم بالبلطجة على الحي الذي يسكن به يسري و عصفور، انها عصابة اجرامية تقوم بالضغط على المحلات التجارية بالحي لكي يدفعوا لها ضريبة حمايتها للحي و سكانه بصورة قاسية و مستفزة، يحكم هذه العصابة ابوجابر و هو كبيرها و يعاونه شلة من البلطجية الذي حتى يقوم أحد أفرادها بالتطاول على حبيبة عصفور و والدها، تدعى كريمة و والدها يمتلك مقهى شعبي، و حينما يحاول عصفور صد هذه الاذية عن حبيبته يتعرض للضرب الشديد أمام سكان الحي من قِبَل أحد افرادها،

تتواتر أحدث الفلم الشيقة حينما يذهب الثلاثة رفاق متحد و عصفور و يسري الى المقهى التي تجتمع به العصابة للثأر لعصفور، و هنا تحدث المصيبة الكبرى إذ يُعْجَبْ ابوجابر بهم و بجرأتهم جدا، و تكون النتيجة اتفاق ابوجابر معهم لمعاونته بعمله حيث أن افراد عصابته المعتادة قد أصبحوا مألوفين للشرطه، فيرحب بمتحد و يسري كافراد للعصابة، نرى هنا هؤلاء الشبان ينساقون الى طرق ملتوية من العيش بالبلطجة القاسية على اصحاب المحلات لجباية الأتاوه منهم لصالح ابوجابر..بل تصل بهم الأمور الى الترتيب معه لسرقة شركة تجارية كبرى،

و لكن هنا يحدث فارق جوهري بحياة هؤلاء الشبان، فيأتيهم بلاغات من الجيش المصري بضرورة الإلتحاق بمعسكر التجنيد الإجباري، و بصورة كوميدية يتفقوا متحد و يسري في ما بينهم على خطة بريئة للتخلص من التجيد و للحصول على الإعفاء الطبي…و لكن هل من الممكن الضحك على أطباء يتعاملون مع فحوصات و ثوابت طبية لا تعرف الكذب؟ فدور الأعمى الذي يلعبه يسري لا ينقذه من حنكة الدكتور الذي فحصه، كما أن اكذوبة الصمم تنكشف بسرعة عند الطبيب الذي يفحص متحد، و تكون النتيجة تجنيدهم بصورة سريعة من قبل مكاتب التجنيد العسكري، أما عصفور البسيط المسالم فحينما يستغرب غياب اصدقائه عنه لفترة من الزمن يذهب ورائهم الى شُعَب التجنيد فيوقعه قدره مع ضابط رفيع المستوى يقوم بإقناعه بنزاهة الإلتحاق التطوعي بالجيش ليدخل برتبة أعلى من رفاقه في الجيش،

تتخلل فترة إلتحاق الشبان بالجيش احداث كوميدية كثيرة تثير الضحك الممتع و الشَيِقْ، و لكن مع مرور الايام تقرر العصابة الإنتقام من الشبان، فإلتحاق متحد و يسري و عصفور بالجيش منعهم من معاونة العصابة بعملية سرقة الشركة في الليلة المتفق عليها بالسالف، و لم تعرف العصابة أن البواب الذي ضربه أحد أفرادها بتلك الليلة المشؤمة استيقظ قبل اتمامهم للعملية و اتصل بالشرطة، فظنت العصابة أن الشبان هم الذين ابلغوا الشرطة بسبب تغيبهم عن الموعد، فتضمر لهم الشر في ذات يوم و تقطع طريقهم بالحي بأولى ايام التحاقهم بالجيش، و تضربهم ضرب مبرح بحادثة مؤسفة يدفعوا بها الشبان ثمن انخراطهم بهذه الشلل الإجرامية الخطيرة،

تقرر ادارة الجيش منح متحد و يسري شرف الإتحاق بفرق الصاعقة العسكرية، و يقرر كالعادة عصفور اللحاق برفاقه بكل بساطة و عفوية، حيث تجمعهم الصدف بنفس وحدة الصاعقة بالجيش، و هنا تبدا فترة جوهرية بحياتهم حيث يعلمهم الجيش معنى المسؤلية و الأخلاق الوطنية الرفيعة، فتبدأ حياة الشبان بالتحسن تدريجيا ليصبح حب الجيش و الخدمة العسكرية محور لحياتهم المهنية، و هنا تتحسن لياقتهم البدنية حيث يعلمهم الجيش اساليب قتالية بالدفاع عن النفس و الهجوم من خلال التدريبات المكثفة التي يتعرضوا لها، فنرى انعكاس هذه التدريبات على المشكلة الكبرى التي يعاني منها الحي الشعبي الذي يسكنه يسري و عصفور، فحينما يقوم عصفور بزيارة حبيبته كريمة بمقهى والدها بقوم بمنع بصورة ناجحة أحد افراد العصابة من اذية المقهى كما في السالف، و يكون نفس الشخص الذي ضربه في السالف امام سكان الحي، فيثأر لنفسه ويضربه صرب مبرح على مرأى من الكل، بل نرى ايضا هنا الاثار الإيجابية لوجود الشبان في الحارة بروحهم الوطنية الطيبة و العالية فيشجعوا اهل الحارة على مقاومة العصابة بالوعظ و الإرشاد و المقاومة الفعلية،

ينتهي هذا الفلم حينما تكون نبيلة و عَلِيًة بزيارة لكريمة حبيبة عصفور، فتحاول كريمة في هذه الجلسة اقناع نبيلة و علية بالعدول عن قرار الإنفصال عن متحد و يسري بسبب سلوكهم الطائش و الغير متزن في الماضي، و لكن يقرر حينها ابوجابر الإنتقام مما يفعله الشبان بهم في الحارة، فيدخل شقة كريمة و يحاول و هي مجتمعة مع رفيقاتها خطفهم بإستخدام السلاح، و يحاول الضغط على الشرطة التي تاتي لإنقاذ الموقف بالهرب من الحارة آخذاً كريمة و رفيقاتها كريهنة له، و لكن هنا يتسلل الشبان بفضل مهارتهم العسكرية الى الشقة من خلف البناية السكنية و ينجحوا بإقاف ابوجابر عند حده،

للذي يشاهد هذا الفلم من دون أن يتعمق برسالته سيجده فلم كوميدي عابر، و لكن في لحظة تعمق و بصيرة سيرى كيف نجحت هذه المؤسسة الوطنية العسكرية الشريفة و الكبيرة بتربية هؤلاء الشبان تربية صالحة و خلق الروح الوطنية و الرجولة الصحيحة بهم بصورة جوهرية بدلا من حياة الطيش و الجريمة التي كادت ان تهلكهم، إنها رسالة عميقة تُعَبِرْ عن كم يصنع الجيش رجال صالحين للمجتمع و قادرين على حماية الوطن ببسالة كبيرة من المجرمين و أعدائه و كم أن الجيش قادر على صيانة بلاده من مكر الإعداء و خبث العابثين بأمنه و استقراره، انه فلم هادف و رائع يجسد مفاهيم وطنية عميقة و نقية من خلال احداثه التي لا تتعدى الساعة و النصف، و على السينما في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها أوطاننا أن تكثف من هذه التوعية من الافلام الوطنية ليرى المجتمع كم أن الجيش مؤسسة جوهرية في حياة مصر و البلادان العربية عموما و كم تصنع الفرق بأوقات المحن و الصعاب،

التعليقات مغلقة.