صحيفة الكترونية اردنية شاملة

يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى

0

الذي قرأ العنوان أعلاه اعتَقَدَ بأن الدولة ستكرّم المتقاعدين العسكريين ، بصنيع يساعدهم على مواجهة أعباء الحياة ويحافظ على كرامتهم . ولكن عندما جاء التطبيق يوم الاثنين الموافق 15 / 2 / 2016 تبين أنه جاء معاكسا لمضمون العنوان ، فظهر بأنه وفاء من المتقاعدين العسكريين للوطن ، وهو بطبيعة الحال أمرا محمودا ولا ضير فيه .
ولكنني أرغب بأن أتحدث عما جرى في فعاليات ذلك اليوم ، وأبين رؤيتي لما أتوقعه في الوفاء الذي أعلن عنه . وغرضي من ذلك هو تصحيح مساره إذا استمر الاحتفال به في المستقبل ، ولفت نظر المسئولين لما يتطلع إليه معظم المتقاعدين وخاصة صغار الرتب . وإن كنت أتحدث بلسانهم فلأنني أعرف احتياجاتهم ومطالبهم بعيدا عن الشخصنة .
فمسيرة لبضع كيلومترات ورفع الأعلام الأردنية ، وحضور نوبة مساء في وقت الظهيرة ، لا تعبر عن طموحات المتقاعدين واحتياجاتهم المعيشية . كنت أعتقد أن يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين سيمسح دمعة من عين ابن أو ابنة شهيد ويرفع عنهم العوز في ظروف معيشية قاسية . واعتقدت بأنه سيواسي زوجة شهيد ، بعد أن فقدت عزيزها وأصبحت وحيدة تصارع ظروف الحياة ، أو أنه سيرفع الفاقة عن عائلة متقاعد برتبة صغيرة وتقاعد محدود .
كنت أعتقد أن هذا اليوم سيعالج فتح أبواب المسئولين المغلقة أمامهم ، وخاصة الأبواب التي غادروها بعد أن دفنوا سنوات طويلة من أعمارهم تحت بنيانها ، وأن يفتح أيضا هواتف الجالسين على الكراسي ، ليجيبوا على اتصالات ذوي الحاجة منهم ، ويساعدوا بحل الممكن منها أو الاعتذار عما فوق طاقتهم .
كنت أتمنى أن نسمع عن عقد اجتماع نصف سنوي على الأقل ، لعشرة أشخاص متقاعدين من ذوي الرتب الصغيرة في كل محافظة ، يترأسه رئيس هيئة القوى البشرية في القيادة العامة ، ليستمع إلى شكاواهم والصعوبات التي تواجههم في حياتهم اليومية ، ومحاولة تذليلها مع الجهات المعنية .
كنت أتوقع أن يعلن في هذا اليوم تحقيق العدالة بين رواتب المتقاعدين القدامى والجدد من مختلف الرتب وربطها بغلاء المعيشة ، وأن لا يكون هناك راتبا تقاعديا تحت خط الفقر لمن نحتفل بهم في ذلك اليوم . فمعظم المتقاعدين من صغار الرتب تقل أعمارهم عن 40 عاما وهم في سن العطاء ، ولكنهم لا يجدون أعمالا يستطيعون من خلالها تحسين دخولهم ومواجهة غلاء المعيشة ، خاصة إذا كان لديهم أبناء في المدارس أو الجامعات ، مما يستدعي تأمين الحد الأدنى لهم من متطلبات الحياة .
كنت أعتقد أنه سيعلن في هذا اليوم ، بأن مديرية التوجيه المعنوي ستزور صغار الرتب من المتقاعدين في مختلف مناطق المملكة ، وأن تجري دراسات استقصائية عن أحوالهم المعيشية وتقدمها إلى القيادة العامة لدراستها وحل الممكن منها ، على اعتبار أن هؤلاء هم الجيش الرديف الذي يدعم القوات المسلحة عند الحاجة .
كنت أتوقع أن تعطى أولوية العلاج في المدينة الطبية للمتقاعدين والمنتفعين من عائلاتهم بدل أن تغرق مدينتهم بذوي المكرمات ، وهي التي وجدت أساسا لتقديم الرعاية الطبية للعسكريين العاملين والمتقاعدين وعائلاتهم .
لو سمع المتقاعدون العسكريون في يوم الوفاء لهم ، خبرا عن إعادة هيكلة مؤسسة المتقاعدين وإعادة النظر بأسلوب عملها ، لكونها لم تحقق الغاية المرجوة منها منذ تأسيسها في عام 1974 وحتى الآن ، لكان ذلك أفضل بشرى لهم . لقد عجزت المؤسسة بالسير على طريق المؤسسات الدولية المماثلة ، التي استطاعت التطور والقيام بمشاريع اقتصادية واستثمارية داخل وخارج بلادها مثل الصين وباكستان ومصر وغيرها .
إن فتح مكتب ارتباط للمتقاعدين في القيادة العامة يشكل مرجعا مناسبا للتواصل مع المتقاعدين ، من أجل إدامة التواصل والعلاقات الطيبة بين المسئولين والمتقاعدين حفظا لكرامة المحتفى بهم . وأتساءل لماذا لا تدعو القيادة العامة عددا من كبار الضباط المتقاعدين لتطلِعَهم على تطور القوات المسلحة الذي أدخل في السنوات الأخيرة ، وعلى المهام التي تقوم بها خاصة في هذه الظروف الحرجة ؟
في يوم الوفاء للمتقاعدين العسكريين ، أرجو أن أطرح هذا المثال التالي والذي قد يكون نموذجا لحالات كثيرة ، من ورثة الشهداء والمحاربين القدامى ، ولا يستطيعون إيصال شكواهم للمعنيين : أحد أقاربي الجندي الأول محمود محمد فهد وعمره 21 سنة ، كان سائقا لدبابة في إحدى كتائب اللواء المدرع 40 الذي أطلق عليه يوما ما ( لواء الله ) . توجه محمود يقود دبابته مع وحدات اللواء لصد الهجوم السوري عن الأردن عام 1970 على الحدود الشمالية .
وقعت الاشتباكات بين الطرفين في منطقة مثلث الرمثا ، فكان قدره أن أصيبت دبابته بقذيفة دبابة سورية . أستشهد على أثرها محمود واحترق داخل دبابته ( رحمة الله عليه ) تاركا وراءه زوجة شابة وطفل صغير . لم تتزوج تلك الشابة وكرست حياتها لابنها الصغير والذي أصيب فيما بعد بمرض السكري . خصصت الحكومة للزوجة وريثة الشهيد راتبا شهريا مقداره 180 دينارا ، يتبقى لها منه بعد الاقتطاعات المترتبة عليها 35 دينارا . كما يجري تكريمها في عيد القوات المسلحة وعيد الفطر وعيد الأضحى بِ 50 دينارا لكل منها ، لكي تعيش بهذه المبالغ المجزية بقية حياتها بهناء وسرور .
السؤال الذي أطرحه الآن على المسئولين : هل هكذا يكرم ورثة للشهداء الذين ضحوا من أجل الوطن ؟ وهل الاحتفال بنوبة المساء تعبر عن الوفاء للمتقاعدين والمحاربين القدامى ؟ قد تكون هناك أمثلة كثيرة مشابهة من ورثة الشهداء ، وعائلات أخرى لمتقاعدين محتاجين
للمساعدة ، ولكن تحسبهم أغنياء من التعفف . قد يقول قائل أننا لا نعلم عن ذلك ، وهذا جواب غير مقبول ، إذ يجب أن تكون هناك دائرة خاصة تُعنى بهذا الموضوع وتحتفظ بقاعدة بيانات مفصلة لمتابعة الجميع وتحديث المعلومات عنهم باستمرار .
أعرف أنه من غير الممكن تنفيذ هذه الطلبات من قبل القوات المسلحة والحكومة دفعة واحدة ، ولكن يمكن وضعها على برنامج عملي يجري تنفيذه تدريجيا وحسب الحالات القائمة . صحيح أنها ليست مسئولية مباشرة للقيادة العامة ، ولكن متابعتها مع الحكومة ومؤسسة المتقاعدين ، وهو واجب تتحمله القيادة العامة ، لأنه سينعكس بصورة أو بأخرى على معنويات العاملين في الخدمة قبل المتقاعدين . وهذا ما أرجو أن يطبق في يوم الوفاء للمتقاعدين والمحاربين القدامى ، بحيث يزداد الارتباط وتتعزز اللحمة بين الطرفين .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.