صحيفة الكترونية اردنية شاملة

اعلام فضائي بلا أجنحة !!

0

لم يكن الاعلام الفضائي اعلانا للقطيعة او الطلاق مع جاذبية الأرض لكنه حاول الانعتاق ما أمكن من الشروط الأرضية والاعلام الكلاسيكي، وهناك قنوات حلّقت بجناحين من شمع، سرعان ما اذابته شمس الواقع كما حدث مع ايكاروس في الاسطورة اليونانية الذي سقط ولم يستطع مواصلة التحليق، وهناك ايضا قنوات تتلمذت على عباس بن فرناس وسقطت مضرجة بحبرها ودمها معا ! اما النمط الثالث فهو اشبه بسلحفاة رسم لها جناحان وصدّقت انها قادرة على التحليق لكنها بقيت من المهد الى اللحد تحمل بيتها الذي هو ايضا قبرها ! ان تطور التقنية في الاعلام او اي مجال آخر يبقى سلاحا ذا حدين فهو بقدر ما يخضع العلم لخدمة الحقيقة، يخضعه للتضليل والتلاعب بالعقول، تماما كما تطورت اساليب الانتحار لكنها بقيت استجابة للموقف النفسي ذاته ! والعرب استحقوا بجدارة براءة اختراع في العديد من المجالات لكن ليس بفضل القدرة على استخدام التكنولوجيا، وتسخيرها لتسهيل حياتهم او لرفاهية مجتمعاتهم . براءة الاختراع هي القدرة الاستثنائية على تحول النافع الى ضار، فكل ما كان اختراعه سببا لاختصار الوقت كالهاتف والفاكس واخيرا الانترنت تحول الى ادوات لتدمير الوقت، ومن قالوا ذات يوم ان الوقت من ذهب لم يدركوا ان وقت احفادهم سيكون من دم فقط ! وهذه مناسبة للقول بأعلى صوت ان استخدام منجزات التكنولوجيا لا يعني امتلاكها او التحكم ببوصلتها، فمن ترجموا ذات يوم التراجيديا والكوميديا الى رثاء وهجاء قد يترجمون مكتبات العالم كلها لكن من خلال تعبير اللغة فقط، لأن الانسان يعيد انتاج اية ثقافة يحصل عليها من خلال وعيه ومنسوب المعرفة لديه، وحين ترجمت كتب هيجل كلها الى اللغة العربية بقيت الهيجلية حيث هي وفي نطاق الجغرافيا التي ولدت فيها . من هذا المنطلق فالفضاء قدر تعلقه بالاعلام ليس تحليقا الى اعلى، وقد يكون في باطن الارض وعالمها السفلي، لأنه يحمل الفيروس ذاته والمفاهيم ذاتها التي تواصل نفوذها رغم انتهاء صلاحيتها كما هو الحال في ضوء الكواكب المنقرضة !!
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.