صحيفة الكترونية اردنية شاملة

أهــلا بالعريفـي ..ولكـن..؟!

0

أرأيت كيف ازدحم الناس طوابير أمام القاعات والساحات التي كانت على موعد مع الداعية السعودي محمد العريفي؟

هل كان هؤلاء الشباب الذين ضاقت بهم المقاعد والمدرجات يبحثون عن “نجم” ديني ليشيعوه بالمحبة والاعجاب، اسوة بما يفعله اقرانهم مع “النجوم” الاخرين، ام انهم مغرمون – كالعادة – بمتابعة “الدراما التاريخية والدينية” التي تشدهم اليها صورة البطل ونموذج البطولة المفقودة، حتى لو اختزلت هذه الدراما بشخص واحد، لا يرى غيره على المسرح؟ ثم ماذا عن الخطاب الذي يقدمه الآلاف من علمائنا المشهود لهم بالعلم والدراية والفقه والمعرفة.. وهل لعجزهم عن جذب مئات الالاف من المعجبين لغز آخر لا نعرفه.. او خلل ما لم نضع اصابعنا عليه..وهل ثمة جديد من اضافة، او فتح من معرفة قصّر دونه هؤلاء، ونجح في الوصول اليه الرجل، حتى سجل مثل هذا “الاكتساح “ لعقول الشباب والصبايا وقلوبهم على السواء. لماذا انسحبت الجماهير اذا من مجالس الفقيه والداعية والامام التقليدي الى الشاشات ومقاعد المحاضرات في القاعات التي وقف فيها نجوم الدعوة الجدد لالقاء دروسهم او تقديم وجباتهم “الدينية” امام عشرات الآلاف من المعجبين والمعجبات ، وكيف استطاع هؤلاء ان يستميلوا عقول الشباب وقلوبهم؟ هل نحن امام ظاهرة تستدعي الاحتفاء والتشجيع ام “حالة” تستأهل التشخيص والفهم.. والتأني في اصدار الاحكام ايضا.
لا شك بان الطلب على الدين اخذ يتصاعد في السنوات الاخيرة ، وبأن الخطاب الاسلامي التقليدي -مع الاحترام لرموزه – عجز عن مواكبة اسئلة العصر واحتياجاته ، مما ترك فراغا كبيرا وسّعه دخول الفضائيات الاعلامية وانهيار النظريات الفكرية والعقدية الكبرى في العالم ، وكان -بالطبع – ثمة حاجة لمن يستجيب لهذا الطلب ويرد على هذه الاسئلة ويملأ هذا الفراغ ، وقد حصل مع قدوم “الدعاة” الجدد وازدياد عددهم وتنافس الاعلام عليهم ، البعض لا يتردد في الترحيب بهؤلاء ويرى انهم قدموا خدمة جليلة للدين ، واخذوا بيد الشباب نحو “التدين” بما يتضمنه من قيم واخلاق وحفاظ على الهوية والمجتمع ، والبعض الآخر لا يتردد -ايضا – في انتقادهم : فدعوتهم الى الدين تصدر احيانا من غير مختصين في الشريعة ، وغير عارفين بمقاصدها وتفاصيلها الشرعية ، والتدين الذي يروجون اليه تدين استهلاكي ، فردي ، لا يأبه بقضايا الامة الكبرى ولا ينتج فعلا حضاريا معتبرا، ويذهب آخرون الى ادراجهم في قائمة “الدواعش” لتخويفنا منهم وطردهم من ديارنا.
الداعية النجم -كما يراه هؤلاء – مجرد مستثمر او مروّج اصبحت له ماركة تجارية لدى الاعلام ، او هو “رجل اعمال” ديني ، يحكمه منطق السوق ، والمعجبون به “مستهلكون” فقط ، تدينهم غير ناضج ، ومنقوص او معكوس او مغشوش احيانا ، فيما التدين الحقيقي المنتج يحتاج الى “علماء” او فقهاء يحركهم منطق “الدعوة” لا منطق “التبشير” او الترويج فقط. بين الموقفين ، موقف المعجبين وموقف المنتقدين ، يبدو ان النجم الداعية قد وجد جمهوره فعلا ، وتمدد على اغلب الفضائيات والمنابر ، واستحوذ على اهتمام الداخل والخارج ، ونجح في استثمار “الدعوة” واستقطاب المزيد من الشباب الى حاضنة “التدين” ومع ذلك يبقى سؤال “التدين” وعلاقته ببناء الفرد والمجتمع وصناعة النهضة وتجاوز الهزيمة والتخلف ، وهو الاختيار الحقيقي لفاعلية الداعية الجديد ونجاحه: هل هذا التدين الذي افرزته التجربة الاخيرة صالح وصحيح ام فاسد ومنقوص؟ هل هو استهلاكي ام منتج؟ حقيقي ام وهم؟ هل يصلح لبناء الإنسان أم لا؟ هل هو منسجم مع الاصل والعصر معا؟ هل يمتد من مجرد علاقة بين الانسان وخالقه الى الانسان وامته وعالمه وقضاياه ايضا؟
مرحبا بالدعاة – نجوما كانوا ام اقمارا – لكن المهم هو التوجه الى هذا “العقل” المسلم الذي استقال من وظيفته واعتذر عن القيام بواجبه.. فهل بمقدورهم ان يعيدوا تشغيله وحركته.. وان يدفعوا قطاره الى الامام .. هذا هو امتحانهم وامتحاننا ايضا.
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.