صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الجامعة وخدمة المجتمع

0

فكرة خدمة المجتمع التي تم فرضها على طلبة الجامعة الأردنية تأتي في سياق صحيح، وتستند إلى فلسفة صحيحة ومحمودة، تتمثل بضرورة ربط الطالب بمجتمعه المحلي من خلال تقديم خدمة اجتماعية معينة؛ مثل الإسهام في زراعة الأشجار أو المشاركة في بعض الأعمال التطوعية التي تسهم بحماية البيئة أو صيانة بعض المرافق العامة، أو التعاون في أنشطة التوعية الفكرية والثقافية، أو حضور المؤتمرات والندوات والورش العلمية.
هذه الفكرة يمكن أن تخضع لمزيد من التطوير والتحديث، بحيث تصبح أكثر جدوى وأعظم أثراً، في البيئة المحيطة، من خلال انضاج تصور مكتمل يحوي رؤية ورسالة وأهداف وغايات ووسائل وأدوات واضحة، ترفع من سويّة الطالب العلمية، وتسهم بصقل شخصيته وإكسابه بعض المهارات المهمة التي ترفع من مستوى اهتمامات الطالب، وتزيد من درجة الانتماء والحب للوطن من خلال البذل و الأفعال والأنشطة، ومن خلال امتلاكه مهارة البحث عن دور إيجابي مميز يشعره بذاته ومكانته الاجتماعية، ويساعده في التخلص من شعور العبثية واللامبالاة، حتى لا يكون عبئاً على الجامعة وعبئاً على الوطن والمجتمع والأهل.
من المهم جداً أن يتعلم كل فرد فينا أن يسأل نفسه: ما الدور الذي يجب أن يقوم فيه ؟ وما نوع الإسهام الذي ينبغي أن يتحمل مسؤوليته تجاه أهله ومجتمعه ووطنه؟ وهل كل واحد فينا يعطي ويقدم بمقدار ما يأخذ ويطالب؟ وهل يملك كل واحد منا بصمته في الحياة؟ فمسألة البحث عن دور مسألة في غاية الأهمية تتعلق بكينونة الإنسان وجوهر وجوده، وهو المؤشر الحقيقي على المكانة الحقيقية، فكل ما ازداد الدور أهمية وفعالية وأثراً على صعيد الذات والأقربين والعائلة والحي والمدينة والوطن، كلما كان الشخص مفيداً وإيجابياً يستحق الاحترام والتقدير، وليس هناك أشد بؤساً وانحطاطاً من فقدان الدور والفاعلية في الحياة، أوالرضا بأن يكون عالة على الوطن، ولذلك قيل إن أهجى بيت من الشعر قالته العرب يعبِّر عن هذا المعنى :
دعِ المكارمَ لا ترحلْ لبغيتها واقعـدْ فإنّك أنـت الطاعمُ الكاسي
يجب أن ينقلب السؤال الذي يظهر على لسان الأغلبية الساحقة: ماذا أستفيد ؟ وماذا استفدت؟ إلى السؤال المهم والحرج : ماذا أستطيع أن أقدم ؟ وما دوري في الحياة؟ وبما أفيد مجتمعي ووطني؟ ستكون البدايات متعثرة قليلاً وتحمل شيئاً من الاستهجان والغرابة، وسيكتنفها بعض الصعوبات، وذلك بسبب أننا لم نعتد على هذه الثقافة، ولم نعتد على ترجمة النظريات إلى أفعال وتطبيقات، ولم نكلف أنفسنا عناء تحويل ما نتعلمه -في الأعم الأغلب- إلى أنشطة عملية تسهم ميدانياً في خدمة المجتمع، وتسهم إسهاماً واضحاً في الانتاج وزيادته، وتسهم في تطوير الحياة وحل كثير من المشاكل التي تعترض مسارنا على هذه الارض.
طلاب الجامعة ينبغي أن يسهموا في خدمة جامعتهم أولاً، وصيانة مبانيها وشوارعها وأرصفتها وميادينها وحدائقها وغاباتها ومختبراتها، ويجب أن يسهموا في تجميلها وتزيينها، وعند ذلك ستنمو في داخلهم مشاعر حب جامعتهم، ومشاعر الحرص عليها بشكل طبيعي، وسيزيد منسوب انتمائه لها، وستسهم هذه الخدمة في تقليل الفراغ الذي يعاني منه بعض الطلبة، وسيقلل من العصبيات والمنازعات والمشاكسات، من خلال عقد المنافسات بين الكليات في حجم الإنجازات، وعندما تكون المنافسة في مجال الخدمة وتقديم العون فتكون عندئذ مشمولة بقوله تعالى:(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).
ولذلك من الجيد أن يتم تشكيل اللجان من الأساتذة والمختصين من أجل تطوير هذه الفكرة وتحديثها وتنظيمها ومعالجة الاختلالات والثغرات التي تعتري طريقة التنفيذ والاستفادة من تجارب الآخرين في هذا المجال، وينبغي أن تكون اتحادات الطلبة ومجالسهم لها دور في هذا الموضوع، وكذلك المؤسسات الخارجية والشركات المحلية لترتيب طرق تشغيل الطلبة ومشاركتهم في خدمة المجتمع بطريقة منظمة ومدروسة وناجحة ومحققة لرؤيتها ورسالتها وفلسفتها.
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.