صحيفة الكترونية اردنية شاملة

القوة العسكرية العربية المقترحة . . تحت المجهر

0

أقر مؤتمر القمة العربي المنعقد في شرم الشيخ خلال يومي 28 و 29 آذار 2015 ، إنشاء قوة عسكرية عربية تشارك فيها الدول العربية اختياريا . ولا شك بأن هذا الخبر المفرح للوهلة الأولى ، يشكل بارقة أمل في توحيد جهود الأمة العربية لتحقيق مصالحها المشتركة وأمنها القومي .
ونظرا لأهمية هذا الموضوع لابد لنا من العودة إلى تجاربنا الماضية في هذا المجال لنستقي منها العبر والدروس . ففكرة تشكيل قوة عسكرية تحت قيادة واحدة كانت واردة قبل حرب 1948 عندما قررت جامعة الدول العربية بتاريخ 16 / 2 / 1948 تعيين اللواء الركن اسماعيل صفوت قائدا عاما لجميع القوات المقاتلة في فلسطين ، على أن يرتبط في عمله بلجنة مؤلفة من سياسيين وعسكريين يمثلون الدول العربية . ولكنه سرعان ما استقال القائد من منصبه بسبب الصعوبات التي واجهته .
وبتاريخ 30 / 4 / 1948 اجتمع رؤساء أركان الجيوش العربية في عمان ، وقرروا أن تخضع القوات المشاركة بالحرب في فلسطين إلى قيادة عامة واحدة وتعمل حسب خططها . وعندما قررت الجامعة العربية اشتراك الجيوش العربية النظامية في الحرب ، عُين الملك عبد الله الأول قائدا عاما لتلك الجيوش ، على أن ينوب عنه في القيادة الفعلية اللواء الركن نور الدين محمود قائد القوات العراقية . فشلت تلك الجيوش في تحقيق أهدافها بصورة جماعية ، نظرا لعجز القيادة العامة في السيطرة على الجيوش العربية المشاركة في الحرب ، حيث كان كل جيش يتلقى أوامره من قيادته الأصلية ، فأصبحت القيادة العامة اسما بلا مسمى .
بعد حرب فلسطين شعرت الدول العربية بضرورة التعاون العسكري فوقعت ” معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي ” بتاريخ 17 / 6 / 1950 وشُكّلت لها قيادة تشمل ثلاثة أجهزة لكي تجري التنسيق والتعاون والسيطرة على الجيوش العربية هي : 1. اللجنة العسكرية الدائمة ، وتألفت من ممثلي هيئات أركان الجيوش المشاركة ، وواجبها إعداد الخطط العسكرية وتقديم المقترحات بشأنها . 2. الهيئة الاستشارية العسكرية ، وتألفت من رؤساء أركان الجيوش المشاركة في المعاهدة ، وواجبها الإشراف على اللجنة العسكرية الدائمة وتوجيهها . 3. مجلس الدفاع المشترك ويضم وزراء الخارجية والدفاع العرب ، وواجبه المصادقة على مقترحات وتوصيات اللجنة العسكرية الدائمة والهيئة الاستشارية .
من أهم السلبيات التي رافقت تشكيل هذه القيادة أن المعاهدة نصت على إنشائها في زمن الحرب ، في حين أنه يجب إنشاءها في وقت السلم ، لتتمكن من التعرف على وحداتها واستطلاع ساحة العمليات لمعرفة طبيعة الأرض ، ووضع الخطط العسكرية والإشراف على التدريب والتسليح ، وإعداد القوات للقيام بمهامها في ظروف الحرب .
في بداية عام 1964 أقر الزعماء العرب في مؤتمر القمة الأول في القاهرة إنشاء ” القيادة العربية الموحدة ” والتي كانت خطوة هامة في طريق الوحدة العسكرية . وعُين الفريق أول علي علي عامر رئيس أركان الجيش المصري قائدا عاما لها . شملت تلك القيادة حوالي مائة من كبار الضباط يمثلون الدول العربية الثلاثة عشرة . عملت القيادة لمدة سنة ونصف وأنجزت خلالها الكثير من الخطط والأعمال التحضيرية . ولكنها واجهت فيما بعد العقبات والعراقيل من بعض الدول المشاركة . ونظرا لسياسة المحاور التي سادت في عقد الستينات ، اتجهت الدول المتاخمة لإسرائيل إلى عقد اتفاقيات عسكرية ثنائية ، مما أضعف القيادة العامة وأصبحت شبه مجمدة .
وفي هذا السياق عقدت مصر اتفاقية ثنائية مع سوريا في أيار 1967 ، واتفاقية ثنائية بعدها بأيام مع الأردن انضم إليها العراق فيما بعد . وقعت الحرب بصورة مفاجئة في 5 حزيران من نفس العام دون أن تتمكن دول المواجهة من تفعيل خططها بشكل منسق ، فكانت النتائج الكارثية المعروفة للجميع حيث لم تؤدِ تلك الاتفاقيات الغرض المطلوب. ولو اعتمدت تلك الدول على تفعيل القيادة الموحدة بوقت كاف قبل وقوع الحرب ، وسمح لها باستخدام خططها التي أعدتها مسبقا ، فربما اختلفت نتائج تلك الحرب .
أعود الآن إلى القوة العسكرية العربية المقترحة والتي تقرر إنشاءها في مؤتمر قمة شرم الشيخ فأقول : أن القوة العسكرية تخضع للقوة السياسية ذات الأهداف المحددة والمتفق عليها من قبل الجميع . وإذا ما تمعنا في خطابات القادة العرب الذين شاركوا بالمؤتمر ، نجد أن هناك خلافات سياسية جوهرية برزت من خلالها ونشرتها وسائل الإعلام المختلفة .
فالسعودية كان لها موقف معارض لموقف روسيا ، التي تشجع على الاقتتال الداخلي بصورة غير مباشرة في بعض الدول العربية ، في حين أن مصر والجزائر وتونس وليبيا تسعى جميعها للتقرب من روسيا . وفي الوقت الذي تدعو به مصر لفتح حوار مع الرئيس السوري بشار الأسد ، ترفض السعودية وقطر ذلك وتطالبان برحيل الأسد . والدول التي تشارك أو تساند عملية عاصفة الحزم التي تقودها السعودية ضد الحوثيين يرفضها العراق والجزائر .
وأما ليبيا فهناك من يؤيد تسليح الجيش ليتمكن من حماية البلاد وفرض النظام ، بينما يخشى العض الآخر تداعيات التسليح خوفا من قيام حرب أهلية في البلاد . وبالنسبة لإيران فإن معظم الدول المشاركة في المؤتمر تخشى من تمدد مشروعها التوسعي على حساب الدول العربية ، إضافة لاستمرارها باحتلال الجزر الثلاث في الخليج العربي . ولكن قطر تحبذ ترطيب العلاقات مع إيران باعتبارها جزءا من العالم العربي والإسلامي ، ويحتمل أن يكون للعراق نفس الموقف ، بينما تتخذ عُمان موقفا محايدا تجاه التهديدات الإيرانية .
إزاء هذه المواقف السياسية المتضاربة والخلافات في وجهات النظر القائمة بين الدول العربية ، فلا أعرف كيف يمكن الاتفاق على توحيد الجهود ، وتشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة رغم وجود الخلافات السياسية ؟ وإذا ما اقتصر تشكيل تلك القوة على بضع دول في غياب أكبر دولتين عربيتين هما العراق وسوريا ، فمن المتوقع أن يكون حجمها متواضعا ولا تشكل قوة ردع فعالة على المستوى الاستراتيجي ، ولن تكون قادرة على العمل في مختلف الساحات العربية لحماية الأمن القومي المنشود .
على كل حال وبغض النظر عما نلمسه نظريا من خلافات مركّبة بين الدول العربية ، دعونا نتفاءل ونفترض بأن القوة ستشكل بحجم مناسب ومتفق عليه ، فهنا تثور تساؤلات عديدة يجب على رؤساء الأركان الإجابة عليها في اجتماعاتهم القادمة منها : من هي الدول المشاركة بهذه القوة لاسيما وأن المشاركة اختيارية ؟ ما هو حجم ونوع القوة المقترحة وما هي نسبة المشاركة بها من كل دولة ؟ من هو العدو الذي ستعمل ضده ؟ هل ستشكل لها قيادة عسكرية مشتركة وقيادات فرعية وأين ستكون مواقعها ؟ مع من سيكون ارتباطها القيادي ومن هو صاحب الصلاحية باستخدامها في العمليات العسكرية والأمنية ؟ كيف سيتم تنقلها بين ساحات العمليات في حالات الطوارئ ؟ من يصمم عقيدتها القتالية وسياساتها التسليحية والتدريبية واللوجستية ؟ ما دورها فيما إذا حدث اعتداء على دولة عربية غير مشاركة بهذه القوة العسكرية ؟ من الذي يغطي تكاليفها المالية ؟ هل يمكن أن تستمر بعملها إذا حدثت خلافات سياسية بين الدول المشاركة ؟
أعتقد بأن رؤساء الأركان في الدول المشاركة بهذه القوة العسكرية لديهم الكثير من العمل ، لكي يبلوروا هذه الأفكار إلى خطة عمل والإجابة على التساؤلات المطروحة ، قبل أن تظهر تلك القوة العسكرية على الأرض . وإن كنت أتمنى النجاح لهذه المبادرة التي ينتظرها كل عربي ، ليرى قوة ردع عربية قادرة على الوقوف في وجه الأخطار التي تتهدد أمتنا العربية في كل زمان ومكان وتحقق الأمن القومي المطلوب ، إلا أنني مع الأسف الشديد غير متفائل بمستقبلها . وقد يكون البديل الأفضل هو تشكيل قيادة عسكرية تنسيقية للدول المشاركة بالاتفاق لتقوم بالتعامل مع الأزمات في حينها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.