صحيفة الكترونية اردنية شاملة

‘نَحْوُ النَّصِّ ذِي الجُمْلَةِ الوَاحِدَة’ دراسة جديدة للزميل قدّوم

0

رأى الزميل الدكتور محمود قدوم أنّ نحو النص -مصطلحًا ومنهجًا- يُعد حقلًا جديدًا من حقول المعرفة في الدرس اللغوي الذي اصْطُلِح على تسميته (لسانيّات النص)، والغرض منه توسيع دائرة النحو المعرفيّة والانتقال به إلى ما فوق الجملة من مقطع وفقرة، وصولًا إلى نظرة شاملة للنص، وتطويره بما يناسب اللسانيّات الحديثة وتحليل الخطاب.
وأضاف في كتابه (نَحْوُ النَّصِّ ذِي الجُمْلَةِ الوَاحِدَة: دراسة تطبيقيّة في مجمع الأمثال للميداني) الصادر عن مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية في الرياض، في هذا العلم -أي نحو النص- تحوّل اللسانيّون من التعامل مع الجملة على أنّها بنية مستقلّة إلى معالجة الكيان اللغوي الأوسع وهو النص، واتّجهوا نحو الاهتمام به واتخاذه موضوعًا للدراسة، وبحثوا علاقته بالاتصال اللغوي، وأثره في علاقات النص الداخليّة والخارجيّة.
وقال عضو قسم اللغة العربية وبلاغتها في جامعة بارطِن التركيّة، الناظر في الدراسات التي اشتغلت على هذا العلم يلحظ أنّ النص متعدّد الجمل قد ظفر بعدد من الدراسات التي تناولته، وسعت إلى أن تُقعِّد نحوه وتستقري سماته، لكنَّ النص ذا الجملة الواحدة لم يظفر بأيّ دراسة عربيّة، وأُشير إليه إشارات عابرة عند بعض الدارسين، مع أنَّ أمثلته موجودة في الموروث العربي، ومن ذلك نصوص الأمثال، والتوقيعات، وغيرها.
وأكد قدوم أنّ نصوص الأمثال تمثل نموذجًا واضحًا لكيفيّة تبلور النص في جملة واحدة، تعبّر عن معناه، وتكشف عن مغزاه، كما أنّ أغلب الدراسات التي عُنيت بدراسة الأمثال العربيّة ارتبطت -إلى حدّ بعيد- بمعنى المثل في اللغة والاصطلاح، وحالات المشابهة بين واقعَتيْن: قديمة غائبة وأخرى راهنة؛ بهدف التبصير والعظة، أمّا ما تكتنزه هذه البنية اللغويّة (جملة المثل) من اختزال وتكثيف وبلاغة… بحيث تعبّر هذه الجملة عن نص مكتمل أو نصوص مكتملة، فلم يكن هَمّ تلك الدراسات.
وبيّن أنّ دراسته قدّمت وصفُا لنص الجملة الواحدة ومقولات التماسك النصّي، من حيث: البنى النصيّة في النص ذي الجملة الواحدة، التي تتضمّن البنية الكليّة الكبرى، والبنية العليا، والبنية التركيبيّة، والبنية الإحاليّة في النص ذي الجملة الواحدة، إضافة إلى آليّات التأويل في نحو النص ذي الجملة الواحدة.
وعرضت الدراسة للتباين الواضح بين اللسانيين في إمكانيّة توافر نص من جملة واحدة؛ وذهبوا في هذا مذهبَيْن؛ الأول ينفي إمكانيّة أن يأتلف النص من جملة واحدة، والثاني يرى أنّ النص قد يكون ذا جملة واحدة، وقد يأتلف من متوالية من الجمل.
ورجّح قدوم أنّ النص وحدة دلاليّة، أو هو اللغة التي تؤدي وظيفة في بعض السياقات، وهذه الوحدة ليست شكلًا لكنّها معنى؛ لأنّ النص يتصل بالجملة أو بالعبارة بالإدراك لا بالحجم. وليس شرطًا لتُصبح الكلمة أو الكلام نصًا، أن يكون طويلًا أو قصيرًا؛ فالكلمة أو الكلام إن تحقَّقت فيه شروط النص أو بعض شروطه، ولاسيَّما التَّماسُك أو الترابط النصِّي، صار نصًا، ما دام هذا النص -مهما صغر- قد حمل دلالة مقصودة من المتكلِّم في سياق ما، وأدَّى وظيفته في التَّواصُل بين المتكلِّم والمستقبِل.
وأضاف: تمثّل فكرة (جملة النص) التي جاء بها (جون لاينز)، خطوة متقدّمة في الربط بين مفهوم الجملة ومفهوم النص، ومن ثمّ نحو الجملة ونحو النص؛ ذلك أنّ بعض الجمل كالأمثال تمثّل نصًّا كاملًا، وأنّ دراسة الجمل مقترنة بسياقاتها، وهو ما تمثله جملة النص، يعدّ من أهمّ دعامات نحو النص.
وأظهرت الدراسة أنّ نصّ “المثل” يمثّل في صورته النصيّة المتداوَلَة نصًّا موجزًا مكثّفًا دالًا على الحالة التواصليّة القائمة بين المرسِل والمتلقّي، بل إنّ قائل المثل يستحضره وهو يعتقد أنّه أنسب البنى اللغويّة أو الصياغيّة لتحقيق التصوّر والمقصد الذي يروم. أو هو الإصابة في التعبير عن المعنى المتضمّن في الموقف التواصلي بإيجاز وتكثيف واقتدار، ويعمد المرسِل إلى اختيار نص المثل دون غيره من البدائل الصيغيّة أو الأبنية اللغويّة القادرة على أداء المعنى؛ لاعتقاده أنّ نصّ المثل قادر على احتواء المعنى بكلّ تفاصيله وأبعاده وبأوجز عبارة؛ فالمثل له قدرة ليس على إيصال المعنى وحسب، بل على طَبْعه صورة في الذهن، أو الوصول به إلى غاية المدى.
وتضمن الكتاب تمهيدا وثلاثة فصول، اشتمل التمهيد على أربع قضايا أساسيّة؛ قرأت القضية الأولى مفهوم الجملة في الدرس اللغوي القديم والحديث، وتوقّفت القضية الثانية عند النص، متتبّعة لمفهومه ومعناه في التراث العربي والغربي قديمًا، ثم في الدرس اللغوي الحديث، وانبرت القضية الثالثة لمعالجة نحو النص كما ظهر في إشارات علماء النحو والبلاغة والقرآن في التراث العربي، ثم توقّفت عند جهود نحاة النص في العصر الحديث، وتوقفت القضية الرابعة عند مفهوم المثل ومجمع الأمثال للميداني.
وتناول الفصل الأول، وهو بعنوان:”النص ذو الجملة الواحدة: حدّه وخصائصه ونحوه”، خمس قضايا؛ اهتمّت القضية الأولى بالإجابة عن سؤال: هل يمكن أن يتشكّل النص من جملة واحدة؟، وعُنيت القضية الثانية بوضع حدّ للنص ذي الجملة الواحدة وبيان أهمّ خصائصه، وسعت القضية الثالثة إلى تحديد الفرق بين الجملة في حدّها النحوي والنص ذي الجملة الواحدة، وخصّصت القضية الرابعة للنحو الذي يصلح لدراسة النص ذي الجملة الواحدة، أمّا القضية الخامسة في هذا الفصل فتوقّفت عند نماذج من النصوص ذوات الجملة الواحدة في التراث العربي؛ وتشمل: الأحاديث النبويّة، وأقوال الصحابة والمشاهير، والتوقيعات.
وأمّا الفصل الثاني فجاء بعنوان:”النص ذو الجملة الواحدة في سياقه التواصلي”، واشتمل على خمس قضايا، هي: المرسِل وآليّات الإنتاج، وإنتاج (النص/ المثل)، وآليّات التلقّي، والغرض، وجامعو الأمثال وآليّات الإنتاج والتلقّي: قراءة في ضوء نحو النص: الميداني نموذجًا.
وأمّا الفصل الثالث فهو بعنوان:” نحو النص ذي الجملة الواحدة: أمثال الميداني نموذجًا”، واشتمل على سبع قضايا، هي: النص ذو الجملة الواحدة ومقولات التماسك النصّي، والبنى النصيّة في النص ذي الجملة الواحدة، والبنية الكليّة الكبرى في النص ذي الجملة الواحدة، وإعادة بناء النص، والحذف في النص ذي الجملة الواحدة، والبنية الإحاليّة في النص ذي الجملة الواحدة، وآليات التأويل في المثل.
يُذكر أنّ هذا الكتاب هو في الأصل أطروحة دكتوراة قُدّمت في الجامعة الأردنية بإشراف الأستاذ الدكتور نهاد الموسى، والدكتورة خلود العموش، وناقشها الأساتذة الدكاترة محمد القضاة، وجعفر عبابنة، ووليد العناتي.
وتزامن إصدار الكتاب مع إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب الذي انطلقت فعالياته يوم الأربعاء الماضي الخامس من آذار الجاري.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.