صحيفة الكترونية اردنية شاملة

سنوات أخرى مع بيبي وشريكه .. هل من رد؟

0

خلافا للاستطلاعات، ورغم تراجع الشأن الخارجي في اهتمامات الشارع الإسرائيلي، فقد تمكن نتنياهو من إثارة مخاوف لدى قطاع من الناخبين من حكاية الإرهاب، والتنازلات للفلسطينيين، ومن توحد العرب في كتلة واحدة، واستنفر المستوطنين، وهددهم بالإخلاء المزعوم على يد اليسار، وهو ما مكّنه من تحقيق نقلة نوعية أعادته إلى كرسي رئاسة الحكومة، وإن بنسبة محدودة من المقاعد والأصوات لا تتعدى الربع.

كثيرة هي الدلالات التي يمكن الحديث عنها في هذه الانتخابات التي كانت بمثابة تصويت على نتنياهو أكثر منها انتخابات تقليدية، وحيث تعرّض لحملات شرسة في الإعلام طالته شخصيا وزوجته، لكن ما يعنينا هنا هو الجزء المتعلق بنا كفلسطينيين وكأمة معنية بهذا الكيان الذي اغتصب أرضنا وشرّد شعبنا.

من المؤكد أن هذا المستوى من الشرذمة، وهذا المستوى من البذاءة في التراشق بالاتهامات بين أركان المنافسة تشير إلى أن هذا المجتمع الصهيوني ينحدر شيئا فشيئا نحو مزيد من الغرائزية، وأنه دخل منذ سنوات مرحلة التراجع كعادة الكيانات التي تبدأ بمرحلة الروح ثم العقل فالغريزة بحسب توصيف مالك بن نبي.

مؤشر مهم بالنسبة إلينا في منظومة الصراع لا نحتاج إلى مزيد أدلة عليه، فالمجتمع لم يعد هو ذاته القديم، والسياسي لم يعد هو ذاته، والجندي أيضا، ما يعني أن صراعنا معه سيكون أسهل بمرور الوقت، لاسيما إذا تعززت الفوضى في المشهد الدولي كما يتبدى الآن، مع تراجع صورة الكيان في وعي الرأي العام العالمي كما تأكد خلال الألفية الأخيرة.

ولكن ماذا عن نتيجة الانتخابات، وهل كانت هناك فروق تذكر بين أركان المنافسة الصهيونية فيما خصَّ الموقف من الفلسطينيين؟

واقع الحال أن سقف التنازلات الصهيونية حيال الفلسطينيين لم يعد يستحق الكثير من الجدال، فهو يراوح بين ما عُرض على الفلسطينيين في قمة كامب ديفيد العام 2000، بقيادة حزب العمل في ذلك الوقت، وبرعاية كلينتون (الديمقراطي)، وبين ما كشفته وثائق التفاوض قبل سنوات (بين أولمرت وعباس)، وبينهما وثيقة التفاهم الأخيرة التي استخدمت ضد نتنياهو، وكانت نتاج مفاوضات سرية جرت في لندن قبل عامين بين مبعوث نتنياهو (المحامي إسحق مولخو)، وبين مبعوث عباس، الأكاديمي الفلسطيني حسين آغا.

في كل ذلك لا نعثر من الناحية العملية لا على عودة للقدس الشرقية، ولا على عودة للاجئين، ولا على حدود 67 الحقيقية (تبادل الأراضي وبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة ينسف هذه المقولة)، ولا على سيادة كاملة (تأجير الغور يؤكد ذلك)، فضلا عن أشياء أخرى لضمان الأمن الصهيوني، والنتيجة أن الكيان الذي يُعرض على الفلسطينيين هو كيان مفتت الأوصال؛ مرتبط بالاحتلال يريحه من عبء إدارة السكان الفلسطينيين، تماما كما تفعل السلطة الآن، من دون أن يغير في الوقائع القائمة حاليا شيئا يذكر.

من هنا، فإن كل جدل الانتخابات لم يكن يعني الفلسطينيين في شيء، بما في ذلك قصة الكتلة العربية الموحدة بمقاعدها الـ13، والتي لا يمكن أن يُسمح لها بالتأثير على القرار السياسي الإستراتيجي في الدولة، وهي في الأصل لم تأت نتاج توحد، بل نتاج الاضطرار بعد رفع نسبة الحسم لدخول القائمة للكنيست.

خلاصة القول، إن ثمة سنوات أخرى قادمة مع بيبي، ليس بالضرورة أربع سنوات، فالانتخابات المبكرة صارت لازمة إسرائيلية، والحملة على نتنياهو وحجم الخلاف والشرذمة، قد تنتهي إلى انتخابات جديدة بعد عامين أو أكثر، فما هو الموقف المتوقع من الطرف الفلسطيني الرسمي حيال ذلك؟

لا جديد في واقع الحال، أعني من طرف محمود عباس، فالرجل مصر على مساره الراهن، بصرف النظر عن المسار السياسي المتعلق بجوهر القضية، فالاهتمام بالمال والاستثمار وبناء الدولة العتيدة تحت الاحتلال مسار يعجبه، أعني السلطة/الدولة، ولن يغير، بل سيواصل العمل على ضم قطاع غزة بعد نزع سلاحه، لكي تكتمل اللعبة، وثمة عرب يعلنون الجاهزية لمساعدته في ذلك، فيما تعيش حماس مأزقها في القطاع ولا تدري كيف تتعامل معه.

لن يوقف هذه المهزلة البائسة في تاريخ القضية الفلسطينية سوى الشعب الفلسطيني، لاسيما أن تدخل القدر بإبعاد عباس لا يعني أنهم لن يعثروا على بديل يواصل المسيرة ذاتها. الشعب هو من سيوقفها بتفجير انتفاضة عارمة في الضفة وكل الأرض الفلسطينية تنهي هذه المسيرة الذهبية للكيان الصهيوني، وحيث يستمتع بحريق في كل المنطقة، في الوقت الذي يستمتع فيه -أيضا- بتعاون أمني من عباس يوفر له أمنا غير مسبوق. متى سيحدث ذلك؟ لا ندري، لكن مؤشرات كثيرة تقول، إنه قادم.

الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.