صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مدير السي آي إيه إذ يلخص موقف العالم من سوريا

0

في موقف هو الأكثر صراحة على الإطلاق بعيدا عن الكلام الديبلوماسي الذي يتغير تبعا للمكان والزمان والضيف، كما يحدث مع كيري وأوباما منذ ثلاث سنوات، لخّص جون برينان، المدير العام لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) موقف بلاده من سوريا بالقول قبل أيام أمام “مجلس العلاقات الخارجية”، وهو مركز أبحاث في نيويورك: “لا أحد منا؛ لا روسيا ولا الولايات المتحدة ولا التحالف ولا دول المنطقة، يريد انهيار الحكومة والمؤسسات السياسية في دمشق”.

وأضاف، إن “عناصر متطرفة” بينها تنظيم الدولة وناشطون سابقون في تنظيم القاعدة، هم “في مرحلة صعود” في بعض مناطق سوريا حاليا. وأكد أن “آخر ما نريد رؤيته هو السماح لهم بالسير إلى دمشق”، مضيفا: “لهذا السبب من المهم دعم قوات المعارضة السورية غير المتطرفة”، وزاد موضحا أن ما يريدونه هو “حكومة ذات صفة تمثيلية تعمل على تلبية المطالب في سائر أنحاء البلاد”.
من يقرأ هذا الكلام، وهو الأكثر صراحة، وربما صدقا في تصريحات المسؤولين الأمريكيين سيبتسم دون شك، وهو يسمع في المقابل تصريحات المسؤولين الإيرانيين وأركان نظام بشار، والشبيحة من كل صنف ولون عن التحالف القائم بين من يسمونهم المجموعات التكفيرية وبين أمريكا والكيان الصهيوني، لاسيما وهو بتابع أخبار التحالف الأمريكي، ومديح حيدر العبادي له، ولقيادته الأمريكية. وسيبتسم أكثر حين يتذكر أن برينان لم يأت البتة على ذكر المليشيات الشيعية التي جلبها قاسم سليماني من كل أصقاع الأرض كي تقاتل إلى جانب النظام، ولا عن جرائمها في سوريا (هناك نقد في سياقات أخرى لسلوكها في العراق).
كلام برينان بالغ الوضوح، وخلاصته كما رددنا مرارا منذ ثلاثة أعوام هي أن خيارات واشنطن هي ذاتها خيارات الكيان الصهيوني ممثلة في إطالة أمد النزاع الذي جعل من سوريا ثقبا أسود يستنزف جميع أعداء الدولة العبرية، ويدمِّر البلد، كما أسهم في ضرب ربيع شعوب العرب أيضا.
لا حل لدى واشنطن، بحسب كلام برينان. أما حديثه التالي عن تدريب ألف من المقاتلين “المعتدلين”، فهو ضرب من الهراء، لأن مشروعا كهذا سيتسغرق سنوات قبل أن تغدو تلك القوى “المعتدلة” قادرة على مواجهة تنظيم الدولة، وكل القوى التي تحسبها واشنطن على جناح “التطرف”، ومنها جبهة النصرة وأحرار الشام وسواها من الفصائل الجهادية، لاسيما حين نتذكر أن فصيلا معقولا اسمه “حزم” كان يتعاون مع أمريكا، أو يتلقى دعما منها، ما لبث أن حل َّ نفسه بعد صدامات محدودة مع جبهة النصرة.
أما الحل السياسي، وهذا يدخلنا إلى حديث كيري الجديد عن التفاوض مع بشار، فهو ضرب من الهراء أيضا، حتى لو أضفنا له توضيح البيت الأبيض بأن التفاوض لن يتم مع بشار مباشرة، لأنه (أي الحل) لن يأتي في القريب أيضا، ويتذكر من دون شك أن من أفشل مسار جنيف هو النظام السوري، بأوامر من طهران التي لا زالت تعوِّل على بقاء النظام كاملا، بل تعتبره الركن الأهم في مشروع التمدد الذي تشعر أنه يعيش أبهى عصوره بعد الذي جرى في اليمن، وفي ضوء بعض التقدم ضد تنظيم الدولة في العراق.
والحال أن الحديث عن وجود من يسميها برينان “تنظيمات متشددة”، كسبب للموقف من النظام ليس سوى نوع من الكذب، لأن الموقف من الصراع في سوريا كان هو ذاته قبل أن تظهر تلك التنظيمات، بل قبل أن يكون هناك رصاص من الأصل، فيما يبدو واضحا أن رهان المستقبل بالنسبة للكيان الصهيوني هو تفضيل بقاء بشار ضعيفا منهكا على أية خيارات أخرى، بخاصة إذا ما تمت صفقة النووي مع إيران، والتي سيتبعها بالضرورة تغيير لخطابها وسلوكها من الصراع مع الكيان الصهيوني، لأن ما يعنيها هو تثبيت مكاسبها الإقليمية، وليس الصراع مع عدو يقف معه العالم أجمع.
نفتح قوسا هنا لنشير إلى أن تصريحات برينان، وبعدها بيوم تصريحات كيري، إنما هي جزء من مساعي أوباما لاسترضاء إيران من أجل تشجيعها على توقيع اتفاق النووي، هو الذي يدرك أن لا شيء يتقدم من حيث الأهمية عندها على بقاء بشار الأسد في السلطة بوصفه الركن الأهم لمشروع تمددها في المنطقة.
هي بكل وضوح مؤامرة على الشعب السوري، وعلى الكيان السوري، وليست مؤامرة على النظام كما روَّج أتباعه ومريدوه، ولو نجحت الثورة السورية، فلم تكن سوريا لتتحوّل إلى حديقة خلفية للمحتلين الصهاينة، لأن الشعب السوري أشرف ألف مرة من نظامه.
ما قاله برينان وبعده كيري، مع الموقف الإيراني، مع المراوحة في الوضع العسكري في سوريا.. كل ذلك يؤكد أن الصراع سيطول، وسيكون جزءا من الصراع مع المشروع الإيراني الحالم، وذلك بعد أن يتأكد قادة إيران من أنه يستنزفهم في حروب عبثية يدفع ثمنها المواطن الإيراني، ويصبحون جاهزين لصفقة إقليمية مع العرب وتركيا تمنح كل طرف وضعه المعقول، وتضع الأمة من جديد في مواجهة المشروع الصهيوني بدل التبرع بخدمته بسياسات رعناء لا طائل من ورائها.
الرأي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.