صحيفة الكترونية اردنية شاملة

’الضمان’.. لماذا تغييب المعلومة؟!

0

كثيرة ومتعددة هي الملفات المهمة التي تمسّ حياة الناس، وتؤثر فيها. لكن، في الوقت نفسه، يتم التعامل معها، عموماً، تحت غطاء من التكتم والصمت؛ فتغيب المعلومات أشهرا طويلة، بحيث لا يسمع الأردني حرفا واحدا يطمئنه بشأن العديد من هذه الملفات.
الأهم اليوم، ربما يكون ملف أموال مؤسسة الضمان الاجتماعي، والتي هي “تحويشة” عمر الغالبية العظمى من الأردنيين، مع ما يعنيه ذلك بالتالي من حساسية وطنية عامة تجاهها. لكن تمضي الأيام من دون أن يكلف مسؤول نفسه عناء التواصل مع الإعلام، للحديث عن الأوضاع المالية لصندوق استثمار أموال الضمان؛ لكأنه ليس بالأمر المهم أبداً أن يعلم أحد بماذا تفكر إدارة “الصندوق”، وكيف تدار المحفظة المالية الأضخم في المملكة!
فرئيس “الصندوق” الحالي د. سليمان الحافظ، لم يعقد مؤتمرا صحفيا واحدا منذ توليه الموقع منذ قرابة عام ونصف العام. كما أن كل البيانات الصحفية الصادرة عنه تظل محدودة العدد، وتركزت أساساً على توجيه رسائل للإعلام خصوصاً بعدم النشر في قضية البيع المزعوم لأسهم “الضمان” في بنك الإسكان لمستثمرين قطريين.
بل يمكن الاستدلال على ضعف التواصل وغياب المعلومة، أو على الأقل عدم الاكتراث بتوفيرها بشكل دقيق، أن الموقع الإلكتروني لـ”الصندوق” يؤكد أن د. الحافظ عُين رئيساً له بتاريخ 10 أيلول (سبتمبر) 2014، فيما الحقيقة أن القرار بذلك صدر في التاريخ ذاته، إنما في العام 2013.
القلق لا يجد حيزاً يشغله إلا بالقدر الذي يوفره غياب المعلومة، نتيجة سيطرة السكوت والتكتم على المسؤول، وبالتالي انقطاع التواصل مع المجتمع. وعدا عن انعدام المبادرة إلى شرح أوضاع “الصندوق” والاستثمارات التابعة له، فإن ثمة تباطؤا في الإعلان عن النتائج المالية السنوية للصندوق. فمثلا، نُشرت هذه النتائج للعام 2014 بخبر مقتضب من فقرتين يؤكد ان الصندوق حقق صافي أرباح بمقدار 306 ملايين دينار، من دون أي إسهاب ضروري يشرحها للمساهمين العامين، وهم مشتركو “الضمان الاجتماعي”.
الصمت الرسمي يفسر بأكثر من اتجاه. فإما أن القائمين على “الصندوق” لا يؤمنون بحق الإعلام، والمجتمع تاليا، في الحصول على المعلومات؛ أو أنهم يظنون أن أموال “الضمان” حكومية، وهو ظنّ غير محقّ على الإطلاق. فأموال الضمان ليست ملكية خاصة لأي جهة كانت، بما فيها الحكومة؛ وإنما هي أموال الأردنيين، ولا يعدو أن يكون من يتولى إدارتها موظفا مؤتمنا عليها، يتلقى راتبا عن ذلك في نهاية كل شهر، من أموال الأردنيين هذه.
أما السبب الثاني، فيرتبط ربما بوجود معلومات يظن المسؤول أنّ إخفاءها أفضل من الإعلان عنها. فلا يكون مهماً، برأيه، مشاركة الناس رأيهم في إدارة أموالهم، طالما أن هناك من هو “أعلم وأدرى” في هذا المجال. وفي ذلك نظرة قاصرة تجاه المجتمع، بتصويره غير ناضج بعد ليكون شريكا في اتخاذ القرار في أمر يخصه.
حالياً، ثمة ملف يُدرَس من قبل “الضمان”، بطلب وقناعة من رئيس الوزراء د. عبدالله النسور، الذي يطمح إلى استعادة ما تخلت عنه حكومات سابقة في ظل عملية تخاصية موجهة؛ حينما باعت حصة من شركة الفوسفات لحكومة بروناي. إذ يحلم النسور باستعادة هذه الحصة، ليس من أموال الخزينة، بل بأموال “الضمان”.
ومثل هذه الصفقة يجب أن لا تُبرم بمنأى عن الرأي العام. إذ يفرض المنطق على الحكومة إعلان التفاصيل، وإخضاع القضية للنقاش العام، بحيث لا تقع خسارة جديدة بشراء الأسهم بأسعار مرتفعة، بعد أن بيعت بثمن بخس.
أما إقراض أموال “الضمان” للحكومة، كسبيل سهل للاستثمار المضمون، فهو مسألة أخرى، تحتاج إلى تمحيص وتدقيق. فالقصة ليست استثمارا مضمونا فحسب، بل تقديم عون للحكومة لتوفير التمويل لاحتياجاتها المالية.
الصمت في نهاية الأمر مسألة تزداد قيمتها وخطورتها مع الزمن. واتخاذ أي قرار استثماري في أجواء من التكتم، من دون مشاركة الرأي العام، يحمل في طياته كلفا، حتى لو تم وفق معايير الشفافية والإفصاح على نطاق ضيق؛ خصوصا إذا ما تبين عدم صحة القرار والتسرع فيه. إذ إن الناس المغيبين لن يغفروا يوما ضياع أموالهم من جديد.
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.