صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الصبر الاستراتيجي .. إلى متى؟!

0

بالتزامن مع التذكير المتكرر بالحضور الإيراني في مشهد المعركة الاخيرة التي تخوضها القوات العراقية ضد تنظيم “داعش”، تذهب الدبلوماسية الاميركية للمراوغة بين موافقتها الضمنية على هذا الحضور وإعادة التأكيد والتذكير بالهوية الطائفية للحشد الشعبي من جهة، والتخويف من حرب طائفية من جهة أخرى؛ وكأن كل ما جرى خلال آخر عشر سنوات على الأقل من الاقتتال والموت الجماعي ليس حروبا طائفية مريرة. ويرتبط هذا التذكير غير المفهوم بالدعوة إلى ما أخذت الإدارة الأميركية تردده تحت مسمى “الصبر الاستراتيجي”.

وهو ما عاد رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية مارتن ديمبسي، إلى التأكيد بأن الحملة العسكرية التي تخوضها بلاده ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، في حاجة إلى “صبر استراتيجي”. وقبل ذلك أطال الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطاب حالة الاتحاد قبل أسابيع في تفسير “الصبر الاستراتيجي” الذي يحتاج إليه الحلفاء في مواجهة “داعش”، تلك المواجهة التي تصر الإدارة الأميركية أنها تحتاج إلى سنوات طويلة.

خلال الايام الماضية ظهرت أصوات تطرح تساؤلات لها مبرراتها، هذه الاسئلة تزامنت مع عودة قائد الجيوش الأميركية للصبر الاستراتيجي والتمهل في مقاومة تنظيم داعش وعدم استعجال التخلص منه والتي أطلقها من بغداد في الوقت الذي كانت القوات العراقية تحقق تقدما حقيقيا على الأرض بعدما استعادت معظم مناطق محافظة صلاح الدين؛ أهم تلك الأسئلة هل تحاول الولايات المتحدة كبح جماح القوات العراقية ووقف انتصاراتها التي نسفت النظرية التي روّجت دوليا واقليميا طول الأشهر الماضية حول كلف الانتصار على هذا التنظيم وحجم المبالغة والتهويل في قوته وبما يملكه من خبرة وعقيدة قتالية وأسلحة تحت وطأة موجة دعائية غير مسبوقة من دعاية الرعب المصحوبة بجز الرؤوس والحرق وأبشع ممارسات القتل التي عرفتها الحروب.

ثمة مناطق مجهولة وغامضة في المعركة ضد التنظيمات الإرهابية في المنطقة وفي جوهر السياسة الأميركية حيالها التي تزيد من فرص التشكيك وعودة فرضيات المؤامرة الى الواجهة، لكنّ جانبا من الحقيقة يبرز في أن هذه السياسة تجد معارضة ونقدا واسعا ليس فقط لدى رموز الحزب الجمهوري بل ولدى رموز من الحزب الديمقراطي نفسه، ولا يمكن فهم هذه السياسة إلا في سياق أزمة السياسة الخارجية الأميركية وانكماشها وترددها في الاشتباك مع أزمات العالم والميل إلى الابتعاد عن الحروب الخارجية ومحاولة الوصول الى تسويات هادئة وبالنفس الطويل وبعيدا عن الصدام مع الملفات المعقدة، كما يحدث هذه الأيام مع الملف النووي الإيراني.

المهم ان حجم الشكوك بهذه السياسة يتضاعف مرات ومرات لدى شعوب المنطقة، وباتت هذه الشكوك تنتقل حتى لبعض الأنظمة السياسية الحليفة، فيما تدفع مجتمعات المنطقة وحدها الثمن كل يوم من استمرار هذه السياسة، ما يفسر اليوم كيف تكتشف بعض وسائل الإعلام والنخب السياسية الوجود الإيراني في العراق ونفوذ الجنرال قاسم سليماني وربط هذا الوجود بمعركة القوات العراقية ضد داعش.

إن أزمة السياسة الخارجية الأميركية تستهلك صراعات الشرق الوسط بالتأجيل والتردد وغياب الحسم، هناك ملفات قد تتفهم فيها نظم حليفة هذه السياسة لكن لن يكون ذلك في القضاء على ظاهرة شاذة مثل داعش وغيرها من التنظيمات الارهابية.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.