صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من هي الأنثى؟

0

السؤال استهلك نفسه بشكل ممل، بقدر ما تمت إثارته على أشكال متنوعة طوال العشرين أو الثلاثين سنة الماضية.

وربما يتذكر الكثيرون كيف تحول السؤال إلى قضية للنقاش في فورة الفضائيات التلفزيونية نهاية القرن الماضي، حين تداعت جمعيات ومؤسسات نسوية لتحارب فكرة المرأة الأنثى بهيئتها التي كرستها ولسنوات طويلة، ثقافة الفيديوكليبات والإعلانات التجارية، وهي البعيدة كل البعد عن صورة المرأة العربية خصوصا، ولو أن المرأة الغربية أيضا لم تكن راضية أبدا عن الصورة النمطية تلك، لأسبابها الخاصة المستندة على ثوابت تحررية بحتة.

السؤال الغريب لا يزال يعيد انتاج نفسه على أنماط وأوزان مختلفة، ترتبط آليا بثورة التكنولوجيا والاتصالات. تلك التي لا تنفك تنكش الموضوع بذكاء مرة وبغباء ألف مرة!

الشاهد في الأمر أن الحوار الذي يبدأ لطيفا مؤدبا وبريئا حول المرأة الأنثى، يتحول إلى عراك وصراخ وسباب أحيانا، عندما يكون صاحب الشأن ومطلق الحكم ونقطة نهاية السطر هو الرجل. ذلك أن الأنثى بمعناها الوجودي والسيكولوجي والانفعالي، معنية بوجودها وتفكيرها وجسدها وعاطفتها، من أجل غاية واحدة وهي إرضاؤه.

في يوم المرأة العالمي تجدد إنشاء السجال مرة أخرى، ولكن بطريقة مختلفة استغلت كلمة “المرأة“ لتكرر مأساة الفكرتين الوحيدتين المتصادمتين دوما؛ الفكرة الأولى تعتمد على الصورة المقدمة دراميا وأدبيا في روايات وقصص تصور المرأة الجميلة الرشيقة الأنيقة المهذبةالخجولة المتسامحة المبتسمة الصبور. وكل تلك الصفات هي لأجله هو. أما الفكرة الثانية فهي التي عصفت بها أذهان المتمردات على نمطية الطاعة والولاء والكمال، لتخرج بصورة المرأة المتحررة من كافة قيود الجمال والرشاقة والتسامح والصبر، ليكون للعادية مكان إلى جانب الخطأ المبرر والانتقام. وكل تلك الصفات هي لأجلها هذه المرة.

ومع أن الانقسام في الرأي بين النساء يبدو عموديا تقريبا ما بين أنثى “باب الحارة“ وأنثى “باب الشمس“، مع مقاربات فتيات عروض الأزياء وجميلات الأغاني المصورة للقسم الأول. ونماذج المقاتلات وفقيرات الأحياء الشعبية للقسم الثاني. ورغم الإعلان عن تعاطف الكثيرين من الرجال مع صورة المرأة العصرية المنهكة العاملة البسيطة متوسطة الجمال، إنما وللأسف الشديد وعندما تقترب “النار“ إلى “أقراصهم“ فإنهم كلهم يفضلونها شقراء! وهذا تعبير مجازي مقتبس عن فيلم أميركي، ولكنه يشي بنفسية كثير من الرجال، حتى لا يغضب القليلون، وهي نفسية مفصومة مركبة بلاشك.

فليس سرا أبدا بأن نماذج كثيرة من الرجل الذي يرسل والدته لتبحث عن بنت الحلال المحافظة المهذبة يشترط جمالا فاخرا ورشاقة ساحرة. وإن لم يسعفه النصيب أو وقته الضيق بذلك، فهو يعرف كيف يعوض “خسارته“ بأنثى أحلامه، إن لم يكن في أول فرصة فربما في الثانية أو الثالثة. وينسحب الأمر في أحيان ليست قليلة، على من ارتبط بفتاة أحلامه بعد قصة حب، ثم اكتشف أنها قد تبدلت كثيرا بعد الزواج والحمل والإرضاع. ودائما وأبدا يكون البحث حثيثا عن المرأة الأخرى .. المرأة الأنثى. وتقريبا لم تتحدد حتى كتابة هذه السطور أوصافها وشكلها النهائي، المهم أنها لا تشبه الموجودة حاليا، والجميع يتحجج بالبحث عن وهم الأنوثة الذي اخترعته أنانيتهم، وصدقته البنات المسكينات!

وبالمناسبة، البحث عن الأخرى لا يعني بالضرورة إقامة علاقات جديدة، بقدر ما يكون لشغف التعرف والمشاهدة والمقارنة نصيب الأسد. ما يوقع بناتنا في اختبار غير عادل بالمرة، وخصوصا وهن لم يبلغن به سلفا!

مناسبة المقال: اختبار من سلسلة اختبارات مواقع التواصل الإجتماعي، مخصص للنساء، يحدد درجة أنوثتهن حسب مقياس واضع الاختبار طبعا، يحتوي أسئلة مهينة وقاسية لكينونة المرأة واستقلالها النفسي والفكري. أنصح كل من أمون عليها بألا تعرض نفسها له، ولو على سبيل التسلية. فأنتِ تعرفين سيدتي كم أنت “أنتِ” حين تريدين ذلك. وهذا هو السر؛ الذي لن نخبرهم إياه أبد!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.