صحيفة الكترونية اردنية شاملة

كيف حال العرب؟

0

قذيفة قريبة رجّت الضريح رجّاً ، تسرّبت حفنة من التراب الناعم الى وجهه ، تململ قليلا، فتح عينه على العتمة المطبقة ، تساءل بينه وبين نفسه عن هذا المكان الخانق ..يداه مربوطتان برباط الكفن ،حرّك ذراعيه ،فتقطع الرباط بسهولة لقد مضى أكثر من نصف قرن على القماش الرقيق..رفع “سقيفة” الاسمنت الأولى وبدأ يتساقط عليه التراب من كل النواحي، سبح بقوة واجتهاد ونجح برفع”السقيفة” الثانية والثالثة والرابعة انتصب على قدميه في القبر ونظر الى الأضرحة التي حوله ، العشب يانع ومرتفع ،قبور مكسورة وأخرى مهجورة والقديم منها غطاه الزمن بطمي النسيان…نفض جسده من التراب الرطب..تمشى بين القبور عارياً..المصادفة وحدها قادته الى بعض الملابس المستعملة المهملة قرب سور المقبرة فرح بها أيما فرحة ارتداها على عجل ..ونظر متلفّتا حوله وغادر مسرعاً الى اقرب شارع يأخذه بعيداً عن حقل الموت…مشى قليلاً ، دخل المدينة..لم يشعر بالجوع على الاطلاق ، لكنه شعر برغبة جامحة لفنجان قهوة في احدى المقاهي الدمشقية القديمة فمنذ نصف قرن لم يدخل جوفه شي على الإطلاق…ثمة حواجز أمنية وسيارات عسكرية كانت مزروعة في الشوارع المهمة ، دخل شارعاً فرعيا..ليجد مقهى “الوحدة العربية” في المواجهة تماما ، يا الهي انه مقهاه الشعبي المفضّل ، لم يتغير شيء على المكان والحمد لله انه لم يتغيّر شيء…اخذ مقعداً قرب الباب وبدأ يراقب الطريق خارج الزجاج ..

– تشرب شي استاذ؟..

– قهوة بدون سكر..

بخوف وريبة جلس وحيداً يفكر بما حدث له خلال نصف قرن من الغياب ، وكلما دخل المقهى زبون او صاحب حاجة كان يواري يديه المتسختين بالتراب وأظافره السوداء الطويلة ،هناك من خلف طاولته العتيقة المرتفعة ، كان يراقبه صاحب المقهى ، قام عن كرسيه اقترب منه..أستأذنه بالجلوس فأذن له الميت الحي بالجلوس..

– صاحب المقهى: لا تآخذني من أول ما دخلت القهوة وانا بسأل حالي وين شايفك؟..

– الميت الحي: أنا؟؟..أنا محمد فخري البارودي..

– صاحب المقهي: يا سلام على اسم الشاعر العظيم..الله يرحمك يا بارودي!.

– محمد فخري البارودي: انا هو .. صاحب قصيدة “بلاد العرب أوطاني”!.

– صاحب المقهي ضاحكاً: دمك خفيف مثله سبحان الله.

– البارودي: قسماً بالله انا هو بشحمه ولحمه!.

– صاحب المقهى: عموه..هداك الرجال مات بالستينات يعني قبل 50سنة..

– البارودي: قسما بالله انا هو..والآن طلعت من القبر ..وقلت آجي اشرب فنجان قهوة بـ”الوحدة العربية”..

– صاحب المقهى يقوم عن كرسيه ممتعضا وينادي على صبي المقهى: جيب قهوة هون يا ولد…ثم يتمتم (فكرناه عاقل)..

– محمد فخري البارودي: يا اخي اعتبرني مجنوناً…واجلس!.

– جلس صاحب المقهى من جديد: أمر ايش بتريد؟

– محمد فخري البارودي :ما رح آخذ من وقتك ..بس خبّرني كيف حال العرب؟..

– صاحب المقهي: زفت!..

– البارودي: ليش شو صار بالخمسين سنة التي غبتهم ؟؟

– صاحب المقهي: احكي شو ما صار..فلسطين سلامتك..العراق انقسام واقتتال..سوريا انقسام واقتتال ..اليمن انقسام واقتتال….ليبيا انقسام واقتتال… السودان انقسام بدون اقتتال..مصر اقتتال بدون الانقسام…والبقية تأتي…!.

– الباردوي: آآخ يا وطني…معك ورقة وقلم؟

– صاحب المقهى مناديا: هات ورقة وقلم يا ولد…ثم همس للبارودي مستهزئاً: شو بدك تكتب أستاذ؟..

– البارودي: بدي صلّح خطأ مطبعياً عمره 70 سنة ويمكن اكثر ..تناول القلم وفتح جرح الحاء وقال بمرارة هيك قصيدتي ازبط : “بلاد الحُرب أوطاني”…ثم ترك فنجان قهوته وغادر..!.

سواليف

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.