صحيفة الكترونية اردنية شاملة

من الوريد إلى الوليد !

0

قبل اكثر من اربعة عقود كان دريد لحام يصرخ في احدى مسرحياته وهو يشهر كأس الوطن المترع بالدمع لقد اصبح اليمن يمنين، ولم يخطر بباله وبال من كانوا يصفقون في المسرح ان زمنا سيأتي يكون فيه سفير سوداني في السودان، وتُبنى جدران فاصلة بين الاعظمية والكاظمية في بغداد، وان تظهر دولة اسلامية ملفّقة من شتى الاعراق والاجناس تدعو الى أممية جديدة هي اممية الذبح والاستباحة، وعدم الاعتراف بأية حدود او قوانين !

أذكر ان الشاعر محمد الماغوط كتب بسخريته المريرة اللاذعة عن مقايضة تتم على تخوم بلاد العرب يسلّم فيها صقر قريش الى اسبانيا مقابل شاحنة من القمح، وكنّا نظن ان الرجل مفرط في التشاؤم، لكن ما انتهت اليه الحال اليوم تخطى كل التوقعات السوداوية، لهذا يخطئ من يرددون عبارة ما أشبه اليوم بالبارحة، فالليلة اشد ظلاما من كل سابقاتها ومراوغة الثعالب تحولت الى هجوم شرس؛ لأن الفريسة تعيش نصف ميتة في الغيبوبة ولا حاجة للثعالب كي تراوغ خصوصا بعد ان اكتشفت بأن الفزّاعة ليست رجلا وان الكروم بلا اسيجة او حُرّاس !
الأنكى والأمرّ من كل ما يجري هو الوعي الذي يتعامل معه، فثمة من يحاولون اجراء جراحة دقيقة للدماغ بالفأس وهناك من يعالجون اخبث الاورام بكمادات الماء البارد .
ان ما قاله برنارد لويس ومن بعده برنارد ليفي وسائر البرنارندات على الورق عن تحول العالم العربي الى اكثر من سبعين دويلة ينفذه الان على التراب العرب انفسهم؛ لأن منهم من يطفو على شبر دم، ولا يهمه حتى اذا تقلص الوطن الى حارة او زقاق ما دام هناك صولجان ينتظره، أما عبارة روسو الشهيرة من كون الشقاء والفقر لا يخلقان ثورات او شهوة للتغيير بل الوعي بهما فهي رغم انها ترجمت عشرات المرات الى اللغة العربية بقيت غير قابلة للاستيعاب، لهذا فقد يتحول وطن بسعة قارة ويعيش فيه ما يقارب نصف مليار انسان الى اطلال، والناس لا يدركون ذلك، تماما كتلك الضفادع التي لا تشعر بالألم في سائر جسدها الا عندما تصل السكين الى الرقبة، ومن يحسدون الخراف التي تلهو وتنزو وتشتبك في الطابور امام المسلخ عليهم ان يكفوا عن هذا الحسد؛ لأن هناك ملايين من البشر يفعلون ذلك!
الدستور

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.