صحيفة الكترونية اردنية شاملة

شيء عن واقع الخدمات..!

0

قبل يومين، استيقظ نصف سكان البناية على انقطاع في التيار الكهربائي. وبعد استقصاء مبدئي، اقترح حارس العمارة أن هناك عطلاً في “الكيبل” الرئيس الذي يغذي البناية من تحت الشارع، واتصل بشركة الكهرباء، واتصل السكان المتضررون. واستمرت الاتصالات مع الأعطال من الصباح إلى الظهيرة، فالعصر وحتى الليل، لتأتي الورشة الفنية بعد العاشرة مساء فقط. وفي كل اتصال، كان موظف استقبال الشكاوى يعِد بحضور الفنيين خلال نصف ساعة، بعد أن يسجل رقم شكوى جديدة، وجديدة… وهكذا.
عاين فنيو بعد العاشرة العطل، وقال كبيرهم إنه في أحد “فازات الكيبل” أو شيئاً من هذا القبيل. وقال إنه سيصنع وصلة مؤقتة من الخط العامل، وطلب معاودة الاتصال مع الشركة لاستكمال الإصلاح. تساءلت في نفسي، ولم أسأله خشية استفزازه، عن تلك “المتابعة” مع الشركة، بعد أن جاء وكشف. افترضت أن الموضوع أصبح عندهم، وأنه يجب أن يكتب تقريره لورشة الصباح لاستكمال الإجراءات. وعندما اقترح حارس العمارة إحضار كهربائي على حساب السكان لإصلاح “الكيبل”، حذره الفني بلهجة شديدة من مغبة العبث بالوصلة الخطيرة ذات الفولتية العالية، وقال إن هذا عمل الشركة.
في الصباح، تبين أن بقية “فازات الكيبل” احترقت وانقطع التيار عن باقي الشقق. وبعد الاتصالات مجدداً بالأعطال، جاء فنيون آخرون، وقالوا إن إصلاح العطل ليس من عمل الشركة، ويجب إحضار كهربائي خاص. وبعد أن فصلوا “الكيبل” من العمود في الشارع، أكدوا على وجوب الاتصال بهم لمعاينة عمل الكهربائي قبل ردم الحفرة -من أجل السلامة- قبل أن يعيدوا وصل التيار.
بعد البحث عن كهربائي “خبير” (لأن المسألة ليست مزحة)، وجد أحد الجيران شخصاً يفهم في الكوابل. ولا شيء يصف العناء الذي يجلبه اشتغال فني بسيط في وصلة سميكة جداً كهذه. مثلاً: حتى يسحب السلك 15 متراً تحت الشارع ليعمل فيه، ربطه الكهربائي بحبال وحاول سحبه بسيارته، وانقطعت حبالته عدة مرات، قبل أن ينجح بعد استخدام “جنزير” مرآب أحد الجيران. ولنفس الغاية، أوقف الرجل سيارته تحت العمود ليصعد فوقها ويحاول “تسليك” الكيبل من هناك. وقبل ذلك حفر إسفلت الشارع الصلب بواسطة “منكوش” صغير. ثم تبين له أن القطع التي جلبها لوصل الكيبل ليست مناسبة، فذهب لإحضار غيرها وعاد بعد ساعتين -والكثير من التفاصيل.
قبل أن ينتهي الكهربائي بوقت، اتصلنا بالشركة عدة مرات لإرسال ورشة الكشف -استباقياً لاختصار الوقت- لكنهم جاؤوا بعد ساعات طويلة، بعد أن أنجز وصل الأسلاك وحلت العتمة منذ زمن. طلبوا منه بدايةً نقض ما اشتغل، وإعادة تعرية الأسلاك حتى يروا ما فعل. وبعد الشرح والرجاء قبلوا اعتماد وصفه لعمله (مع شكل من التشجيع الإضافي). وفي المجمل، انقطع التيار نحو 48 ساعة.
كما قال الفنيون، كان المتسبب بخراب الكيبل هم جماعة شركة الاتصالات. حفروا حفرة كبيرة في الرصيف قبل أكثر من ثلاثة أشهر، ووعدوا بالعودة لردم وتبليط حفرتهم في اليوم التالي -الذي لم يأت بعد ولن يأتي أبداً. وتسرب الماء من الحفرة أيام المطر والثلج وضرب خط الكهرباء. وكان يمكن أن تكون الأضرار كبيرة لو اختار “الكيبل” الانفجار في أيام العاصفة. ولا مجال لذكر الأضرار المادية وغيرها التي تكلفها سكان البناية، لكنني أتساءل:
لماذا يستغرق الكشف عن عطل أكثر من 12 ساعة، بلا عاصفة ولا طوارئ؟ لماذا يقول فني الليل إن الكوابل الخطرة عمل الشركة، ويقول فني النهار إنها عمل المواطنين؟ لماذا تجبرنا الشركة على استئجار كهربائي بسيط الإمكانات للعمل في شيء مثل “كيبل” عالي الفولتية في الشارع؟ لماذا ينقطع التيار 48 ساعة، وكأنه تيار مدينة شيكاغو؟ لماذا تُقطع الكهرباء عن المواطن إذا تأخر في دفع فاتورته ساعة بعد الموعد، ويماطلونه عندما تنقطع الخدمة؟ لماذا يترك السادة من الاتصالات حفرة الرصيف مفتوحة أكثر من ثلاثة أشهر ويتنصلون من مسؤوليتهم؟ هل يجرؤ المواطن على مقاضاة الشركتين والمطالبة بتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية بسبب سوء الخدمة؟ متى يشعر المواطن بأنه زبون وله الحق في خدمة لائقة، ولا يُعامل وكأنه متطفل متسول، ويخاف من موظف الشركة أكثر من شُرطي؟ والكثير الكثير من الأسئلة!
الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.