صحيفة الكترونية اردنية شاملة

دليل ‘داعش’ لاستباحة ‘السبايا’..!

0

هذا الشهر، أصدر “ديوان البحوث والإفتاء في الدولة الإسلامية” منشوراً في شكل “مطوية”، يرشد مواطني الخلافة إلى كيفية التعامل مع سباياهم. وحرصت المطوية المكونة من 32 سؤالاً مع إجاباتها على المزج بين “الأصالة والمعاصرة”، فجاء القسم الأول من العنوان “سؤال وجواب” بخط كوفي حديث (كمبيوتر)، بينما خُطت عبارة “السبي والرقاب” بخط الإجازة اليدوي ذي الإيحاء الإسلامي. وحرص العنوان على “السجع” في المقطعين لتأكيد “الفصاحة”. ويقول “الباحث” المدعو أبو البراء الموحد في تبرير عمله –بعد أن يطلب من قرائه أن لا ينسوه من صالح دعائهم- أن دليله يقدم “لمحة على علم شبه مغيب في أبواب الفقه المعاصرة”. وهكذا، رأى هو وديوانه حاجة عملية الآن إلى نفض الغبار عن هذا “العلم” وتلميعه، لأن موضوعه خرج بدوره من تحت ركام التاريخ، وأصبح واقعاً.
قراءة هذا الدليل تصيب بالفصام والغثيان. ولا يتعلق الأمر بالموضوع، لأن “الباحث” جمع فقط مادة موجودة أصلاً في المصادر، وإنما يتعلق بحقيقة استحضار هذا “العلم المغيب” لكي يستعمله أناس حقيقيون هنا في الجوار القريب، ممن لديهم “سبايا ورقاب” فعلاً. وبشكل ما، كابوسي، أصبحت المشاهد الخيالية التي رأيناها في المسلسلات التاريخية، عن أسواق النخاسة في الكوفة وبغداد والبصرة، مشاهد “طبيعية” ويومية في الرقة والموصل. فهل دخلنا “آلة الزمن” الأسطورية التي أعادتنا إلى زمن غابر يفترض أن ينسخه ما تلاه؟
يعرف دليل “داعش” السبي، بأنه “ما أخذه المسلمون من نساء أهل الحرب”، ويقول إن “مبيح السبي الكُفر، فتباح لنا الكوافر بتقسيم الإمام لهن بعد وضع اليد عليهن وإحضارهن إلى دار الإسلام”. وقد تحققت هذه الصفات، كما يرى أئمة “داعش” فيما غنموه من النساء الأيزيديات وغيرهن. وتقول إحصائيات إن غنائم “الجهاديين” من الإيزيديات بلغت نحو 2.500، في حين يقول ناشطون أيزيديون إن عدد النساء المفقودات يقارب 4.600. ونقلت مجلة “نيوزويك عن الباحثة الكردية نازاد بيغيخاني، من مركز أبحاث العنف والجندر في جامعة بريتول، أن هؤلاء النساء يعامَلن “مثل الماشية. ويخضعن للعنف الجسدي والجنسي، بما في ذلك الاغتصاب المنهجي المتكرر والاستعباد الجنسي. كما تم عرضهن في أسواق في الموصل والرقة، وعليهن شواخص سعر”.
يؤكد دليل “داعش” الرسمي المذكور ذلك. ففي إباحة الاغتصاب، تجيب الفتوى عن سؤال جواز “وطء السبية مباشرة بعد الملك”: “إذا كانت بكراً فله أن يطأها مباشرة بعد الملك”، لكنه يجب أن يمهلها لتضع إذا كانت حاملاً، أو حين يتأكد أنها غير حامل بعد حيضة. وإذا كانت “السبايا” صغيرات، يقول الدليل: “يجوز وطء الأَمَة التي لم تبلغ الحلم إذا كانت صالحة للوطء، أما إذا كانت غير صالحة للوطء فيُكتفى بالاستمتاع بها دون الوطء”. وبطبيعة الحال، يُترك تقدير هذه “الصلاحية” للمالك الذي يغلب أنه بلا قلب ولا عقل، بعد اعتقاده بأحقيته في امتلاك الصغيرة وحرية التصرف بها بترخيص من “الدولة” وبفتوى. ويؤكد الدليل في مكان آخر على الامتلاك وتجريد “السبايا” من صفة الإنسانية: “يجوز بيع وشراء وهبة السبايا والإماء، إذ أنهن محضُ مال، يُستطاع أن يُتصرف به –من غير مفسدة أو إضرار”. وفي ضرب السبايا “يجوز ضرب الأمة ضرب تأديب… كما يحرم ضرب الوجه”. كما أن “هروب العبد أو الأمة من كبائر الذنوب”، و”يجب أن تعزَّر (الأمة الهاربة) تعزيراً يردع أمثالها عن الهرب”.
يُذكِّر دليل “داعش” الذي لا يخجل بالواقع الكارثي لكثير من النساء في غير “دولة داعش”، والذي لا يصدر صانعوه منشورات رسمية ومطويات عنه. وفي الحقيقة، يمتلئ هذا العالم المجنون بـ”السبي”، وإنما بأسماء أخرى. هناك الاتجار بالنساء واستعبادهن جنسياً ، وبيع الصغيرات، وتزويجهن طفلات، وحرمانهن من التعليم، واغتصاب النساء وتعذيبهن في مناطق الحروب وفي قلب المدن –وحتى في المنازل الحضرية. لكنه يؤلمنا ويخجلنا أن تقوم جهة فرخها مجتمعنا بتطبيع وتقنين هذه الجرائم، واستخدام الدعاية لنشر الانطباع بأنها جزء أصلي وضروري من ممارسات المسلمين وعقيدتهم الصحيحة. ومع أن “باحث” داعش وجد مصادر فتواه في التراث –كما ينبغي الاعتراف- فإنها ليست لنا أي مصلحة أخلاقية ولا عملية، في بعث هذا “العلم المغيب” من تحت التراب، لا نظرية ولا تطبيقاً.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.