صحيفة الكترونية اردنية شاملة

داعش وقضايا الإرهاب في حديث الملك

0

الحديث الذي أجراه الصحفي الأمريكي ” تشارلي روز ” مع جلالة الملك عبد الله الثاني في واشنطن خلال الأسبوع الماضي ، ألقى الضوء على كثير من القضايا الساخنة التي تستأثر باهتمام الرأي العام المحلي والإقليمي والدولي .
وقد تناول الملك في إجاباته على اسئلة الصحفي الأمريكي محاور مختلفة من بينها : القدس ، يهودية الدولة ، الإرهاب ، الإسلام ، الضربات الجوية على داعش ، الحلول السياسية في المنطقة ، النواحي الاقتصادية ، اللاجئين . وهذه المحاور يمكن أن يُكتب حولها مقالات عديدة . ولكنني سأتناول في هذه العجالة محورا واحدا يتعلق بتنظيم داعش ، الذي يقلقنا ويقلق في الوقت نفسه مختلف دول العالم . ففي إجابته على سؤال الصحفي ” تشارلي ” إن كان سبب انضمام الشباب إلى داعش لأنهم يؤمنون بذلك التنظيم ؟ أجاب جلالته :
” جزء من ذلك هو تأثير الإعلام الذي يستخدمه داعش وجماعات أخرى ، وقد حققوا نجاحا ملحوظا في ذلك . والسبب أنهم يجتزئون من القرآن ما يشاؤون ويقولون هذا ما يمثله الدين ، وهو كلام باطل وغير صحيح بالمطلق . وقد نجحوا في توظيف الإعلام الجديد من حيث الوصول إلى الشباب في جميع أنحاء العالم ، والأشخاص المحبطين من الشباب والعاطلين عن العمل وقدرتهم على تجنيدهم ، ناهيك عن الجانب الآخر من المسألة هو أنهم يعرضون رواتب جيدة جدا . . . فراتب المجند الذي ينضم إلى داعش حوالي ألف دولار شهريا ، وهو ما يعادل راتب عقيد في جيشنا . وهذا أحد الأسباب في نجاحهم في التجنيد وما نفعله الآن في سياق محاربة داعش أننا نبين للناس أن ما يخرجون به من ادعاءات لا علاقة له بالقرآن بتاتا . لكن جزءا كبيرا من المشكلة هو قضية التجنيد ، وهي قضية في غاية الأهمية . . . وأعتقد أنه منذ أن بدأت الضربات الجوية بلغ عدد الملتحقين بداعش ممن عبروا الحدود إلى مناطق سيطرته نحو 3000 شخص ” .
مضمون هذا الحديث الذي تفضل به جلالته هو عين الحقيقة ويطابق الواقع تماما . وإذا ما عكسنا هذا الأمر على وضعنا الداخلي في الأردن وتحدثنا بصراحة عن واقعنا الاجتماعي ، فسنجد أن البطالة متفشية بين الشباب وخاصة الجامعيين منهم . فبعد تخرّجهم من جامعاتهم يودعون طلباتهم للتوظيف في ديوان الخدمة المدنية ، حيث يجري خزنها في ثلاجة الانتظار لسنوات طويلة ، دون حصول الغالبية منهم على عمل يوفر لهم العيش الكريم وبناء مستقبلهم .
وفي الحقيقة أن الراتب الذي يتقاضاه المجند في تنظيم داعش ، لا يساوي راتب العقيد في الجيش الأردني فحسب ، بل يتجاوز الراتب التقاعدي لرتبة لواء من قدامى المتقاعدين العسكريين الذين ما زالوا على قيد الحياة ، ويعادل ثلاثة أضعاف الراتب لذوي الرتب الصغيرة من نفس الشريحة . ولهذا فليس من المستغرب أن يلجأ المعوزون والمغرر بهم من كافة أطياف المواطنين ، إلى التمرد على واقعهم والانضمام إلى داعش ، بغض النظر عما يواجههم من خطورة تهدد حياتهم في وقت لاحق .
تبين التقارير الرسمية المعلنة ، بأن نسبة البطالة بين الشباب هي بحدود 14 % . ولكن التقارير غير الرسمية تؤكد أنها بحدود 30 % ، وربما تكون الأخيرة أقرب إلى الصواب . وإذا ما أضفنا إلى الشباب العاطلين عن العمل ، اولئك الأشخاص ذوي الميول الدينية من مختلف الجنسيات ، وانخداعهم بدعوى الجهاد التي تطلقها الجماعات المدعية بالإسلام ، فقد يشكل هذا حافزا لهم بالانضمام إلى تلك الجماعات المتطرفة ، والهادفة إلى إقامة ” دولة الخلافة الإسلامية في العراق والشام ” .
وهنا نتساءل : كيف تمكنت تلك الجماعات من الوصول إعلاميا إلى الشباب في مختلف الدول والقدرة على تجنيدهم في صفوفها ، طالما أنه لا تتوفر لديهم وسائل إعلام خاصة عابرة للحدود ؟ من الواضح أن وسائل الإعلام العالمية هي التي تساعد على نشر رسالتهم الإجرامية ــ بقصد أو بغير قصد ــ والمتمثلة باحتجاز الرهائن الأبرياء ، وارتكاب المجازر بين المدنيين ، وقطع الرؤوس البشرية بصورة جماعية . ومع هذا فإن داعش يحقق المكاسب ويتمدد على الأرض في كل من العراق وسوريا ، رغم الضربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف .
والسؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذا الوضع الخطير هو : ما هي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الأردنية ، لمعالجة الأوضاع المتردية بين المواطنين وانتشالهم من حالة الفقر والبطالة التي يغوصون فيها ؟ هل خلقت فرص عمل جديدة للشباب ؟ هل عملت على تثقيف المواطنين سياسيا ونفسيا ودينيا من أجل تحصين الجبهة الداخلية ، ومنع انجراف البعض منهم في مخططات داعش وغيرها من الجماعات الإرهابية ؟
صحيح أن جلالة الملك أدرك خطورة هذا الوضع ونبه له من خلال منابر الإعلام الدولية . ولكن حكومتنا الموقرة تكتفي بالتغني في حديث الملك باستخدام وسائل إعلامها المهجنة ، دون أن تفعل شيئا عمليا يواجه خطر انزلاق المواطنين ، في بحر الإرهاب تحت ضغط الحاجة . وفي الوقت الذي تحاول به الحكومة إقناعنا بأن النواحي الأمنية مطمئنة ومستقرة خلافا للحقيقة ، تتجاهل ما تحت الرماد من نار كامنة ، قد تندلع شرارتها في أية لحظة لا سمح الله . . !

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.