صحيفة الكترونية اردنية شاملة

الحياة التي يمكن إنقاذها..

0

الحياة ممارسة، ليست كابوساً.. أو حلماً أو حتى خيال خصب..
إنها قضية أخلاقية بالدرجة الأولى، والأخلاق التي تستطيع أن تحول كل شيء إلى قيمة، فقدت قدرتها التحويلية، وتحولت هي بفعل نقيضها ( الموت ) إلى لا شيء، أصبح المال بوصفه ( أخلاق العصر )، كل شيء.. لا مجال للكذب أو الهروب فتعبير شعبي واحد من نوع ( معك قرش بتسوى قرش )، يقدم تصوراً عن الحياة على طبيعتها المعاصرة..
في كتابه المتميز وذائع الصيت ( الحياة التي يمكن إنقاذها )، يفسر بيتر سينجر، أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون، أن من أهم القضايا الأخلاقية التي يواجهها الشخص في حياته هي المال وكيفية إنفاق المال، تماما كما أنت ملزم بأن لا تؤذي الناس به، فأنت ملزم بأن تساعدهم أيضا به.
يبدو أنه مثالي للغاية، أو أنه يقدم أفكار يوتوبياوبة، بالمحصلة هو رجل أكاديمي علمي، يعيش حياة الكلمات والورق والنظريات أكثر مما يعيش حياة مئات من المدن وساكنيها، والتي وقعت فريسة المال والمصالح التي ورثت كل هذه الحرب العمياء..
المال الذي يجرُّ السياسة من رقبتها، هو الذي يصنع كل شيء، الفقر والجوع ويصنع الثراء والسلطة والسلطان، ويعقد اتفاقيات التعاون والصلح والشراكات ويوقع قرارات الحرب، إنه المسافة الضيقة بين الحرب والسلام، وبين السلطة والشعب، إن كل مشكلاتنا ومعاناتنا تدور حول المال ودوره في الحياة وصناعة القيمة المضادة لقيمة الأخلاق، فالحديث لا ينتهي عن الفساد الملون، وعن النهب والسلب، الذي يبدأ بنهب راتب آخر الشهر، وينتهي بسلب دولة بكامل مقدراتها وإمكاناتها وخيراتها.
الشعوب بطبيعة الحال ليس لديها عداء مع المال ورأس المال، لكن القوة وأدوات تحكم السلطويات هي التي تملك شهوة التملك ورغبة السيطرة والاستحواذ على حساب كل شيء، ولأن الشعوب كذلك، فأزمتها ثقافية بالأساس، وأزمة السلطويات اقتصادية بالأساس، فالمجابهة الفعلية قائمة بين أزمتين، أزمة ثقافة ووعي، وأزمة مال وأعمال ومصالح.
الحياة التي يمكن إنقاذها، بحسب بيتر سينجر، هي ذاتها التي قصدها محمود درويش في جملته الأثيرة التي تحولت إلى أيقونة ( على هذه الأرض ما يستحق الحياة ).. على هذه الأرض قيمة أكثر شرفاً من المال، وثمة ما يمكن إنقاذه في الحياة أسمى من المصالح والمال.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.