صحيفة الكترونية اردنية شاملة

مؤسسة المتقاعدين العسكريين في حديث رئيس الوزراء

0

” هذا قطاع مهم وخدمته هدف سام وواجب وضرورة اقتصادية واجتماعية ، ليس فقط من باب العرفان بالجميل نظير ما قدموا من تضحيات وخدمات للوطن ، بل لكون مسيرة عطائهم مستمرة دون انقطاع ” .
هذا الكلام الإنشائي الجميل من صاحب الولاية يوم الخميس الماضي ، والذي صدع لتوجيهات جلالة الملك ، بأن يولي فئة المتقاعدين العسكريين كل الرعاية والاهتمام الذي يستحقونه ، يغرينا بكتابته بحروف من ذهب على مدخل مؤسسة المتقاعدين العسكريين ، لكي تذكره الأجيال اللاحقة من المتقاعدين العسكريين بإجلال وإكبار . وليسمح لي دولته أن أضع جزءا من حديثه سالف الذكر على المشرحة ، لنعرف مدى دقته في التطبيق العملي على أرض الواقع .
فهذا القطاع الذي يتغنى بفضائله دولة الرئيس سمعناه من غيرة في سنوات ماضية وطربنا له عدة أشهر فقط ، حيث فوجئنا بأنه ـ مع الأسف ـ لم يجد تطبيقا واقعيا على الأرض إلا في نواحي محدودة جدا . فقدامى المتقاعدين العسكريين وخاصة ذوي الرتب الصغيرة تآكلت رواتبهم التقاعدية وأصبحت تحت خط الفقر ، لا تفي باحتياجاتهم المعيشية لكونها لم تربط بغلاء المعيشة ولم تعدل كما جرى لزملائهم .
أما بقية الرتب فقد تفاوتت رواتبهم التقاعدية خاصة بين الرتب المتماثلة ، بفضل التعديلات التي أجراها المنتفعون ، دون شمول سابقيهم من المتقاعدين القدامى بتلك التعديلات ، كما يجري في دول العالم الأخرى . الفروق في التعديلات في الجديدة ليست طفيفة ليمكن التغاضي عنها ، بل أنها تعادل ضعفي أو ثلاثة أضعاف زملائهم القدامى ، وهذا يشكل خللا كبيرا في مبدأي العدل والمساواة ، اللذان هما أساس الحكم الرشيد .
فالخدمات الطبية التي أنشئت أساسا لخدمة العسكريين العاملين والمتقاعدين وعائلاتهم ، أصبحت تغرق بالمدنيين من داخل الأردن ومن خارجة ومعظمها محول من دوائر رسمية بالمجان . وهذا ينعكس سلبا على المنتفع الأساسي ، الذي لن يجد العناية الطبية اللازمة أو تتوفر له العلاجات التي يصفها الطبيب ، مما يضطره لشرائها من الصيدليات التجارية بأسعار مرتفعة إذا كان مقتدرا على ذلك .
قروض الإسكان للأفراد والضباط وعلى ضآلة قيمتها في ظل ارتفاع أثمان الأراضي والشقق السكنية تسير ببطء شديد . وهذا يتطلب من الحكومة تقديم الدعم المالي لصندوقي الأفراد والضباط ، بما لا يقل عن ثلاثة ملايين دينار لزيادة عدد المستفيدين منها سنويا .
وبالنسبة لعائلات الشهداء ، فقد أصبحت الرواتب التي تقدم لها لا تكاد تغطي متطلبات سكنها فتضطر تلك العائلات العيش تحت ظروف قاسية ، مما يدعو لدراسة أوضاعهم الاجتماعية بين حين وآخر ، ومساعدتهم إكراما للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم دفاعا عن الوطن .
أما بالنسبة ” للمؤسسة الاقتصادية والاجتماعية للمتقاعدين العسكريين والمحاربين القدامى ” فإن أفضل إنجاز لها أنها اكتسبت هذا الاسم الطويل ، ولكن دون مضمون يحقق مهامها أو يكسبها ثقة المتقاعدين العسكريين . هذه المؤسسة ولدت عاجزة في عام 1974 ، واستمرت بعجزها المتفاقم حتى الآن ، لم تقدم الخدمة المطلوبة لمنتسبيها ، كما كانت الآمال معقودة عليها في الاقتداء بمؤسسات دولية ناجحة ، كالصين الوطنية وباكستان ومصر .
لا أريد التحدث عن المشاريع الفاشلة التي نفذتها المؤسسة خلال عمرها الطويل ، ولكنني أسأل ما هي المشاريع الناجحة التي قامت بها المؤسسة ، سوى بعض المشاريع الهزيلة التي لا تستحق الذكر لأنها لا تكاد تغطي رواتب موظفيها . وبناء عليه أعتقد أننا لو أجرينا استفتاء نزيها بين كافة المتقاعدين العسكريين ، حول جدوى هذه المؤسسة بوضعها الحالي ، لكانت النتيجة سالبة بامتياز .
المتقاعدون العسكريون في الدول الأخرى لهم مكانة مرموقة لدى الجهات الرسمية وفي مجتمعاتهم المدنية كمواطنين مميزين . ولهم دور هام في إدارة مشاريع الدولة نظرا لما يتمتعون به من خبرات متنوعة ، كما أن لهم دور هام في تعزيز الأمن الوطني واستقرار البلاد . وعلى سبيل المثال فإن الرئيس الأمريكي يستأنس برأي المتقاعدين العسكريين ، قبل إقدامه على تنفيذ أية قرارات خطيرة خارج البلاد أو داخلها . كما أن حكومات الدول المتقدمة تضم وزيرا للمتقاعدين يعنى بشؤونهم ، ويديم التواصل معهم فيما يتعلق بقضايا البلاد .
لقد أضاف دولة الرئيس في سياق حديثه قائلا : ” إن المجلس التنفيذي ومجلس الإدارة وكل العاملين في المؤسسة أمام هدف وتحد وطني ، وليس أمام وظيفة أو دائرة عادية يديرونها ، والتأكيد على أهمية الإجراءات الصحيحة التي قامت بها المؤسسة مؤخرا ، لتخليصها من كل ما علق بها من مشاكل مالية وإدارية ، الأمر الذي من شأنه تعزيز الإنجازات والرد على المشككين بنجاح المؤسسة ” .
دولة الرئيس : المشككون بإنجازات المؤسسة وأنا أولهم لم يفعلوا ذلك من فراغ ، وإنما نتيجة لحقائق دامغة تمارس على الأرض . فهذه المؤسسة التي بلغ عمرها اليوم ما يزيد عن أربعين عاما ، لا تزال محدودة الأثر والفعالية ، وليس لديها مشاريع تدعم اقتصاد الوطن وتعود بالنفع على منتسبيها كما في المؤسسات العالمية المماثلة ، التي نجحت في داخل بلادها وانطلقت تعمل خارجها نظرا لكفاءتها بالعمل .
إن هذه المؤسسة بنظامها الحالي وارتباطها وأسلوب عملها لن تتقدم أو تتطور ، وستبقى تغوص في مستنقع العجز والتخلف في المستقبل . ولكي تنجح يجب إعادة هيكلتها وتغيير قانونها بحيث تعمل تحت مجلس إدارة منتخب من قبل المتقاعدين أنفسهم ، وبتوجيه من رجال اقتصاد مختصين كما يجري في الشركات التجارية ولكن تحت رقابة صارمة .
إنني لا أنتقص من جهود الأخوة القائمين على إدارة المؤسسة الحاليين أو السابقين ، فالمشكلة أكبر من قدراتهم لأنها تتعلق بتنظيمها وارتباطها وأسلوب إدارتها . الشكوى الدائمة تتلخص في عدم توفر حرية التصرف لديهم إضافة لعدم توفر المال الكافي لإقامة مشاريع مجدية . لقد سمعنا قبل بضع سنوات في وسائل الإعلام أنه تم دعم المؤسسة بمليوني دينار واستبشرنا خيرا بتقدمها . إلا أننا علمنا فيما بعد أن ذلك الوعد لم يجد طريقه إلى التنفيذ .
على المؤسسة أن تحتضن المتقاعدين العسكريين بمختلف رتبهم إلزاميا وليس بصورة اختيارية ، باعتبارها مؤسسة اجتماعية تعمل لمصلحة المتقاعدين وإيجاد الأعمال لهم داخل البلاد وخارجها خاصة للرتب الصغرى . وعلى المسؤولين فيها التواصل مع المتقاعدين وعقد ورشات عمل وتبادل الأفكار لتمتين الجبهة الداخلية وتعزيز الأمن الوطني واستقرار البلاد.
أما قصة الإصلاح الموضوعي والمتدرج كما ادعى البعض ، فها نحن نتدرج ونحبو منذ أربعين عاما ، فتخلفنا عن العالم الذي يغذ الخطى ويسابق الزمن ، مستغلا كل دقيقة لتطوير قدراته في مختلف المجالات . ونحن من خارج المؤسسة لا نطالب بالعجلة غير المدروسة ، ولا نرفع صوتنا بالصراخ الذي ورد ذكره . بل نقول انظروا أيها المسؤولون في الدولة إلى دول جنوب شرق آسيا ، التي كانت في أواسط القرن الماضي أكثر منا تخلفا وفقرا في الموارد الطبيعية . ولكنها بهمة رجالها المخلصين أصبحت خلال ثلاثة عقود في طليعة الدول المتقدمة ، وضاعفت دخل أفرادها ثلاثين مرة على الأقل .
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : لماذا لا تقتدي الحكومة ومؤسسة المتقاعدين العسكريين بتلك الدول لتطوير أوضاعها الاقتصادية ، بدلا من طلب التأني والتدرج في زمن السرعة والتقدم لكي نعوض ما فات ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.