صحيفة الكترونية اردنية شاملة

جثمان ‘كلثوم’ عندما يعري نظامنا الصحي

0

تفتح قضية الطفلة “كلثوم”، التي احتجز مستشفى خاص في عمان جثمانها لأربعة أيام، لعدم تمكن والدها من دفع مستحقات المستشفى (12 ألف دينار)، على ملف مهم، تُنتهك فيه حرمة الموتى، وتصادر فيه حقوق مرضى، فقط لمجرد أنهم فقراء، لا يستطيعون تغطية تكاليف الفواتير الباهظة للعلاج!

قصة الوليدة كلثوم، التي لم يتمكن والدها من استلام جثمانها البريء إلا بعد أن نشرت “الغد” أول من أمس قصتها، لتتحرك عدة جهات رسمية لوقف هذا التجاوز الدستوري والإنساني بحق إنسان ميت، لم تكن القصة الأولى، ونعتقد، آسفين، أنها لن تكون الأخيرة. فالنظام الصحي في الأردن، بشكل عام، لا يتوقف كثيرا عند حقوق دستورية وإنسانية طبيعية للبشر، بل يحرص أولا، على تحصيل حقوقه المالية من المرضى والموتى.

أذكر أنني كتبت قبل نحو 12 عاما عن قصة طفلة وليدة أخرى، حجزها مستشفى خاص في الزرقاء، بعد أن تراكم على والدها نحو ألفي دينار كفاتورة للعلاج والإقامة لأيام قليلة في غرفة الخداج، وعجز عن تأمين المبلغ “كاش”، فحجزت الطفلة لعدة أسابيع في المستشفى، وتضخمت الفاتورة، ولجأت إدارة المستشفى إلى منع الأم من زيارة الطفلة وإرضاعها للضغط عليها لدفع الفاتورة، فيما ذهبت حينها تظلمات وشكاوى الوالد إلى الادعاء العام ومحافظ الزرقاء ومدير الصحة أدراج الرياح، إلى أن جاءت الصحافة لتنشر القضية على الملأ، وتتحرك الحكومة والمحافظ والادعاء العام، لفك حجز الطفلة، فيما قيّض الله للوالد الفقير جمعية خيرية إماراتية لدفع الفاتورة الباهظة. المثير أكثر في تلك القضية، أن المستشفى المذكور واصل ملاحقة الصحيفة ووالد الطفلة قضائيا، بتهمة التشهير، وبقيت القضية في أروقة القضاء سنوات طويلة، فيما لم تحاسب إدارة المستشفى عن قرارها بحجز طفلة رضيعة لأسابيع من دون وجه حق، لا من القضاء ولا من الجهات الرسمية، التي يفترض بها حماية الدستور وضمان تطبيقه.

منذ ذلك التاريخ قبل 12 عاما، سمعت وقرأت عن قصص كثيرة لحجز مرضى وجثث لموتى، في مستشفيات حكومية وخاصة، جراء عدم قدرة الأهل على دفع قيم فواتير العلاج. وتكررت مثل هذه القضايا لدى العديد من عاملات المنازل الأجنبيات أو عمال وافدين، فيما ما تزال إشكالية التعامل القانوني مع هذه الحالات من دون حلول جذرية رسميا، ما يشجع على بقاء المشكلة، واستمراء اللجوء إليها من قبل بعض المستشفيات.

تحاجج المستشفيات، وحتى وزارة الصحة، في مثل هذه القضايا، بأن من حق المستشفى أن يضمن حقه وكلفة ما قدمه من علاج للمريض أو المتوفى، على قاعدة أنها ليست جمعية خيرية تقدم العلاج مجانا. لكن السؤال هنا، مع الإقرار بحق المستشفى بالحصول على أجرته، هو: هل يجوز للمستشفى أو أي جهة رسمية أو غير رسمية، حجز حرية إنسان أو جثمانه، من دون قرار قضائي؟! وقضائي فقط وحصرا؟ ثم، هل يجوز أن تمر قضايا حجز الجثث أو المرضى في مستشفيات، مرور الكرام على مؤسسات إنفاذ القانون والقضاء؟ ألا تستدعي مخالفة الدستور والقانون في مثل هذه القضايا، التي يأخذ فيها المستشفى سلطة القضاء، تحرك النائب العام والحق العام، لمعاقبة المخالف ومنتهك القانون؟

ثمة أكثر من طريقة يمكن للمستشفى بها ضمان حقوقه المالية، ومتابعتها قانونيا، لكن من المؤكد أن ليس من بينها انتهاك الحريات الدستورية والإنسانية للبشر.

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.