صحيفة الكترونية اردنية شاملة

النوافذ المكسورة!

0

لا فائدة! كلما شعرنا أننا نحرز تقدماً، ولو طفيفاً، في أي من القضايا التي تقلق المجتمع والناس اليوم، نواجه موجة جديدة معاكسة تصيبنا بالإحباط واليأس والشك العميق في جدوى، أو ربما جديّة، المعالجات الحكومية لما يحدث من تغيّرات وتغييرات اجتماعية وثقافية خطرة!

خلال الأيام الماضية، كنا نقرأ، مرّة أخرى، عن حوادث الاعتداء الهمجية على مديري ومعلمي المدارس، بالتزامن مع ازدياد أعداد المصابين من إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، واتساع رقعة الجرائم وتنوعها وبشاعتها. وليس مستبعداً غداً أن ينفجر العنف الجامعي والاجتماعي مرّة أخرى. أي إنّنا ندور في حلقةٍ مفرغة، من دون الوصول إلى “نقطة التحول” المطلوبة، التي يبدأ منها العدّ التنازلي في مواجهة هذه الجرائم والانتهاكات والتمرد على القانون.

إلى الآن، لا يوجد تصوّر رسمي إبداعي للتعامل مع التنمّر على القانون، والتراجع في القيم الأخلاقية. وربما هذا ما دفعني إلى العودة إلى قراءة نظرية “النوافذ المكسورة”، التي اطلعت عليها قبل أعوام، لكنني عدت للتوسع في القراءة فيها خلال الفترة الماضية. وهي نظرية، في ظني، من المفاتيح المهمة لترسيخ حكم القانون والنظام، والتغلب على الفوضى والتمرد.

جوهر نظرية “النوافذ المكسورة” (التي برزت في العلوم الاجتماعية بصورة واضحة في العام 1982)، يقوم على أنّ وجود بعض النوافذ المكسورة في المنزل أو البناية، من دون المسارعة إلى إصلاحها في وقت قصير، سيؤدي إلى تشجيع المخربين واللصوص على اقتحام المنزل/ البناية، وسرقتهما وتخريبهما، فيتحولان مع مرور الوقت إلى “مسرح للجرائم” والفوضى وغياب القانون.

وهكذا على صعيد الدول والمجتمعات. فالصمت على انتهاكات صغيرة، وعدم معالجة الاختلالات حتى لو كانت صغيرة أيضا، سيؤديان، مع مرور الوقت، إلى انتشارها وتطورها، وانعدام الأمن وسيادة الفوضى، وازدهار الجريمة، والعكس صحيح؛ فلو أنّ الدولة سارعت إلى التعامل بلا تسامح ولا رحمة مع الانتهاكات والتجاوزات الصغيرة قبل الكبيرة، فإنّ ذلك سيعزز روح القانون، ويعيد الشعور بالثقة والأمن في مختلف أنحاء المجتمع.

هي رسائل وإشارات -قد تكون صغيرة؛ بمعاقبة من يرمي النفايات في الشارع، أو اللصوص والمتنمرين على القانون- ستكون كفيلة بنتائج أضخم وأكثر تأثيراً. وربما يكون أحد أهم الكتب الذي يطوّر نظرية “النوافذ المكسورة” ويعززها بصورة رائعة، هو كتاب “نقطة التحول: كيف أن الأشياء الصغيرة يمكن أن تعمل فرقاً كبيراً” (The Tipping Point: How little Things Can Make a Big Difference) لمالكولم غلادويل (Malcolm Gladwell)؛ إذ يتناول الكتاب مجموعة كبيرة من الظواهر الاجتماعية، ليؤشر من خلالها على “نقطة التحول” التي من الممكن أن تحدث عند لحظة معينة؛ سواء بصعود الجريمة أو الأوبئة، أو حتى بتراجعها وانكسارها واضمحلالها. ويدافع غلادويل في الكتاب عن فكرة مهمة، تتمثل في أنّ السلوكيات والجرائم والموضات، مثل الأوبئة؛ تنتشر عبر الفيروسات المعدية، بسرعة قياسية، صعوداً أو هبوطاً، عبر نقل الإيحاء والرسالة.

بما أنّ الحكومة صمتت على إطلاق الرصاص وانتشار الألعاب النارية في مكان معين، وتهاونت في مواجهة تجار المخدرات أو تعاطيها في أماكن أخرى، أو تراخت مع مخالفات المرور والعنف الجامعي، فإنّ النتيجة هي الفوضى، والعكس صحيح.

ويشير أتباع نظرية “النوافذ المكسورة” إلى دور العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وحتى الانطباعات العامة وأهميتها في صعود الجرائم أو مواجهتها. فإذا كانت الشوارع نظيفة وجميلة، فإنّ ذلك يعزز الشعور بالنظام واحترام القانون، والعكس صحيح!

مثل هذه النظرية تستحق القراءة والنقاش. وقد أثبتت فعاليتها العملية في تطبيقات واقعية، في مراحل سابقة. والمهم في نهاية اليوم، أن نجد نقطة التحول المفقودة!

الغد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.